اشارات الاعجاز | ذلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِ | 51
(49-54)

والاستغراق في (لا) بسبب اعدام الريوب الموجودة ينشد:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً وَافَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ (1)
ويشير الى ان المحل ليس بقابلٍ لتولّد الشكوك؛ اذ أقام على الثغور امارات تتنادى من الجوانب وتطرد الريوب المتهاجمة عليه.
وفي ظرفية ﴿فيه﴾ والتعبير بـ (في) بدل أخواتها اشارة الى انفاذ النظر في الباطن. والى ان حقائقه تطرد وتطيّر الأوهامَ المتوضعة على سطحه بالنظر الظاهر.
فيا من آنس قيمة التركيب من جانب التحليل، وأدرك فرق الكلّ عن كلٍ! انظر نظرة واحدة الى تلك القيود والهيئات لترى كيف يلقي كلٌ حصته الى المقصد المشترك مع دليله الخاص، وكيف يفور نورُ البلاغة من الجوانب.
اعلم! انه لم يربط بين جمل (الـۤـــمۤ.. ذلك الكتاب.. لاريب فيه.. هدى للمتقين) بحلقات العطف لشدة الاتصال والتعانق بينها، وأخذِ كلٍ بحجز سابقتها وذيل لاحقتها. فان كل واحدة كما انها دليلٌ لكلٍ بجهة؛ كذلك نتيجة لكلِ واحدة بجهة اخرى. ولقد انتقش الاعجاز على هذه الآية بنسج اثني عشر من خطوط المناسبات المتشابكة المتداخلة..
ان شئت التفصيل تأمل في هذا:
﴿الـۤـــم﴾ فانها تومئ بالمآل الى: (هذا متحدًّى به، ومن يبرز الى الميدان؟) ثم تلوح بأنه معجز..
وتفكر في ﴿ذلك الكتاب﴾ فانها تصرح بأنه ازداد على أخوته وطمَّ عليها. ثم تلمح بأنه مستثنى ممتاز لايماثل..
ثم تدبر في ﴿لاريب فيه﴾ فانها كما تُفصح عن انه ليس محلا للشك تعلن بأنه منوّر بنور اليقين..
ثم انظر في ﴿هدى للمتقين﴾ اذ انها كما تهدى اليك انه يُري الطريق المستقيم؛ تفيدك انه قد تجسم من نور الهداية.
فكل منها باعتبار المعنى الأول برهان لرفقائها وباعتبار المعنى

-------------------

(1) للمتنبي في ديوانه 4/246.

لايوجد صوت