ان قلت: قد وافق الحكمة فما جهة المرحمة فيه؟
قلت: لا يتصور في حقهم إلاّ العدم أو الوجود في العذاب، والوجود - ولو في جهنم - مرحمةٌ وخيرٌ بالنسبة الى العدم إن تأملت في وجدانك؛ اذ العدم شر محض، حتى ان العدم مرجع كل المصائب والمعاصي ان تفكرت في تحليلها. واما الوجود فخير محض فليكن في جهنم.. وكذا ان من شأن فطرة الروح - اذا علم ان العذاب جزاء مزيل لجنايته وعصيانه - ان يرضى به لتخفيف حمل خجالة الجناية ويقول: هو حق، وانا مستحق. بل حباً للعدالة قد يلتذ معنى! وكم من صاحب ناموس في الدنيا يشتاق الى اجراء الحد على نفسه ليزول عنه حجاب خجالة الجناية. وكذا ان الدخول وان كان الى خلود دائم وجهنم بيتهم أبدا، لكن بعد مرور جزاء العمل دون الاستحقاق يحصل لهم نوع اُلفة وتطبّع مع تخفيفات كثيرة مكافأةً لأعمالهم الخيرية. اشارت اليها الأحاديث. فهذا مرحمة لهم مع عدم لياقتهم.