وذلك السؤال ممزوج من ثمانية اسئلة متسلسلة؛ اذ لما بشروا بمسكن هكذا عال يتبادر لذهن السامع: أفيه رزق أم لا ؟ واذا كان فيه رزق فمن اين يجئ ويحصل ؟ واذا حصل من تلك الجنة فمن أي شئ منها ؟ واذا كان من ثمرتها فهل هي تشبه ثمار الدنيا ؟ واذا شابهتها فهل يشبه بعضها بعضا ؟ واذا تشابهت فهل تختلف طعومها ؟ واذا اختلفت وقد قطعت فهل تنقص ام يمتلء موضعها؟ واذا تبدلت بأخرى فهل يدوم الأكل منها؟ واذا دام فما حال الآكلين أفلا يستبشرون؟ واذا استبشروا فماذا يقولون؟ واذ تفطنت لهذه الأسئلة فانظر كيف أجاب القرآن الكريم عن هذه الأسئلة المتسلسلة بهيئات هذه الجملة..
أما لفظ ﴿كلما﴾ فاشارة الى الدوام والتحقيق.. وماضوية ﴿رزقوا﴾ اشارة الى تحقيق الوقوع.. وكذا ايماء الى اخطار نظيره من رزق الدنيا الى ذهنهم.. وايراده على بناء المفعول اشارة الى عدم المشقة وانهم مخدومون يؤتى اليهم.. وايثار ﴿منها من ثمرة﴾ على (من ثمراتها) للتنصيص على جوابين عن سؤالين من الأسئلة المذكورة. وتنكير ﴿ثمرة﴾ المفيد للتعميم اشارة الى انه أية ثمرة كانت فهي رزق.. وتنكير ﴿رزقا﴾ اشارة الى انه ليس من الرزق الذي تعلمونه لدفع الجوع.. ولفظ ﴿قالوا﴾ أي يتقاولون بعضهم لبعض ايماء الى الاستبشار والاستغراب اللازمين للحكم.
أما جملة ﴿هذا الذي رزقنا من قبل﴾ فاعلم! ان هذا الاطلاق يتضمن أربعة معان:
أحدها: ان هذا ما رزقنا من العمل الصالح في الدنيا فبشدة الارتباط بين العمل والجزاء كأن العمل تجسم في الآخرة ثواباً. ومن هنا الاستبشار.
والثاني: ان هذا ما رزقنا من الأطعمة في الدنيا مع هذا التفاوت العظيم بين طعميهما. ومن هنا الاستغراب.
والثالث: ان هذا مثل ما أكلنا قبل هذا الآن مع اتحاد الصورة واختلاف المعنى لجمع لذّتَي الالفة والتجدد. ومن هنا الابتهاج.