رسالة رمضان | القسم الثاني | 2
(1-11)

ورحيميته. بيد أن الانسان لا يبصر تماماً - تحت حجاب الغفلة وضمن ستائر الاسباب - الحقيقة الباهرةَ التي يفيدها ويعبّر عنها هذا الوضع، وقد ينساها.. أما في رمضان المبارك فالمؤمنون يصبحون فوراً في حكم جيش منظــّم، يتقلدون جميعاً وشاح العبودية لله، ويكونون في وضعٍ متأهب قُبيل الافطار لتلبية أمر القادر الازلي: (تفضّلوا) الى مائدة ضيافته الكريمة.. فيقابلون - بوضعهم هذا - تلك الرحمة الجليلة الكلّية بعبودية واسعة منظمة عظيمة.. تُرى هل يستحق اولئك الذين لم يشتركوا في مثل هذه العبودية السامية، وفي مثل هذه الكرامة الرفيعة أن يُطلق عليهم اسم الانسان؟
 النكتة الثانية: ان هـناك حكماً عدة يتوجه بها صيامُ رمضان المـبارك بالشكـر على النعَم التي أسبغها الباري علينا، احداها:
أن الأطعمة التي يأتي بها خادمٌ من مطبخ سلطانٍ لها ثمنُها - كما ذُكر في الكلمة الاولى - ويُعدّ من البلاهة توهّم الاطعمة النفيسة تافهةً غير ذات قيمة، وعدمُ معرفة مُنعمها الحقيقي، في الوقت الذي تُمنح الخادم هبات وعطايا لأجلها. وكذلك الاطعمة والنعم غير المعدودة التي بثّها الله سبحانه في وجه الارض فانه يطلب منّا حتماً ثمنَها، ألا وهو القيام بالشكر له تجاه تلك النِعم. والاسباب الظاهرية التي تُحمل عليها تلك النعم وأصحابها الظاهرون هم بمثابة خَدَمة لها، فنحن ندفع الخدام ما يستحقونه من الثمن ونظل تحت فضلهم ومنتهم بل نبدي لهم من التوقير والشكر اكثر مما يستحقونه والحال أن المنعم الحقيقي سبحانه يستحق - ببثّه تلك النِعَم - أن نقّدم له غاية الشكر والحمد، ومنتهى الامتنان والرضا، وهو الأهلُ لكل ذلك، بل أكثر. اذن فتقديم الشكرلله سبحانه واظهار الرضا ازاء تلك النعم انما يكون بمعرفة صدور تلك النعم والآلاء منه مباشرة.. وبتقدير قيمتها.. وبشعور الحاجة اليها.
لذا فان صيام رمضان المبارك لهو مفتاح شكر حقيقي خالص، وحمدٍ عظيم عام لله سبحانه. وذلك لأن أغلب الناس لا يدركون قيمة نِعَمٍ كثيرة - غير مضطرين إليها في سائر الاوقات - لعدم تعرّضهم

لايوجد صوت