الاشارة البليغة الاولى
لا ريب ان مالك هذا الكون وربّه يخلق ما يخلق عن علمٍ ويتصرف في شؤونه عن حكمة، ويدير كل جهة عن رؤية ومشاهدة، ويربي كل شئ عن علم وبصيرة، ويدبّر الأمر قاصداً اظهار الحِكمَ والغايات والمصالح التي تتراءى من كل شئ.
فما دام الخالق يعلم، فالعالِمُ يتكلم. وحيث انه سيتكلم، فسيكون كلامه حتماً مع مَن يفهمه من ذوي الشعور والفكر والادراك، بل مع الانسان الذي هو افضل انواع ذوي المشاعر والفهم وأجمعهم لتلك الصفات. ومادام كلامه سيكون مع نوع الانسان، فسيتكلم، اذاً مع مَن هو أهل للخطاب من الكاملين من بني الانسان الذين يملكون أعلى استعداد وأرفع أخلاق والذين هم أهلٌ لأن يكونوا قدوة للجنس البشري وأئمة له. فلا ريب انه سيتكلم مع محمد y الذي شهد بحقه الاولياء والخصماء بأنه صاحب أسمى أخلاق وأفضل استعداد، والذي اقتدى به خُمس العالم، وانضم تحت لوائه المعنوي نصف الارض، واستضاء المستقبل بالنور الذي بُعث به طوال ثلاثة عشر قرناً من الزمان، والذي يصلّي عليه أهل الايمان والنورانيون من الناس دوماً ويدعون له بالرحمة والسعادة والثناء والحب، ويجددون معه البيعة خمس مرات يومياً وقد تكلم معه فعلاً. وسيجعله رسوله حتماً وقد جعله فعلاً. وسيجعله قدوة وإماماً للناس كافة وقد جعله فعلاً.
الاشارة البليغة الثانية
لقد اعلن الرسول الكريم y النبوة، وقدّم برهاناً عليها، وهو القرآن الكريم، واظهر نحو الفٍ من المعجزات الباهرة، كما هو ثابت لدى اهل التحقيق من العلماء(1). هذه المعجزات بمجموعها الكلي ثابتة قطعية كقطعية ثبوت دعوى النبوة، حتى ان اسناد المعجزات الى
--------------------------------------------------------
(1) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (6/582ــ 583) وصحيح مسلم بشرح النووي (1/2) - المترجم