المعجزات الأحمدية | المكتوب التاسع عشر | 43
(1-165)

معظم هذه الامثلة امام جماعة غفيرة من الصحابة الكرام المنزّهين عن الكذب والذين لهم المنزلة الرفيعة في الصدق والامانة.
مثال للتوضيح:
يروي احدهم انه: اكل سبعون رجلاً من صاعٍ(1) وشبعوا جميعاً. فالرجال السبعون يسمعون هذه الرواية التي يحكيها احدهم، ثم لا يخالفونه ولا ينكرون عليه، اي أنهم يصدّقونه بسكوتهم.
فالصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم اجمعين كانوا في ذروة الصدق والحق حيث انهم عاشوا في خير القرون وهم محفوظون من الاغضاء على الباطل، فلو كان يرى احدهم شيئاً ولو يسيراً من الكذب في اي كلام كان لما وسعه السكوت عليه قطعاً، بل كان يردّه حتماً.
لذا فالروايات التي نذكرها فضلاً عن انها رويت بطرق متعددة فقد سكت عنها الآخرون تصديقاً بها، اي كأن الجماعة قد رووها فالساكت منهم كالناطق بها فهي اذن تفيد القطعية كالمتواتر المعنوي.
ويشهد التأريخ ـ والسيرة خاصة ـ أن الصحابة الكرام قد وقفوا أنفسهم بعد حفظ القرآن الكريم لحفظ الحديث الشريف، أي حفظ احواله y وافعاله واقواله، سواء منها المتعلقة بالاحكام الشرعية أم بالمعجزات، ولم يهملوا ـ جزاهم الله خيراً ـ اية حركة مهما كانت صغيرة من سيرته المباركة، بل اعتنوا بها وبروايتها، ودوّنوها في مدوّنات لديهم، ولا سيما العبادلة السبعة وبخاصة ترجمـان القرآن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهكذا حُفظت الاحاديث في عهد الصحابة الكرام حتى جاء كبار التابعين بعد ثلاثين أو أربعين سنة فتسلّموها غضةً طريةً منهم وحفظوها بكل امانة واخلاص، فكتبوها ونقلها عنهم بعد ذلك الائمة المجتهدون وألوف المحققين والمحدّثين وحفظوها بالكتابة والتدوين، ثم تسلّمها ـ بعد مضي مائتي سنة من الهجرة ـ اصحاب الكتب الستة الصحيحة المعروفة وفي مقدمتهم البخاري ومسلم، ثم جاء دور النقّاد واهل 
-------------------------------------------
(1) (الصاع) : الذي يكال به، وهو اربعة امداد، والمد ما يقارب 875غم.

لايوجد صوت