حتى رَوِى جميعهم قال: فأخذ النبيy القدحَ وقال: بقيتُ انا وانت، اقعد فاشرب. فشربت ثم قال: اشرب. وما زال يقولها وأشربُ حتى قُلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدح وحمد الله وسمّى وشرب الفضلة)(1). فهنيئاً لك مائة الف مرة يا رسول الله.
فهذه المعجزة السليمة من شوائب الشك والخالصة اللطيفة كاللبن قد روتها كتب الصحاح وفي مقدمتها صحيح الامام البخاري الذي كان حافظاً لخمسمائة الف حديث. فهي اذن رواية لا ريب فيها قط وصادقة وثابتة كأنها مشهودة رأي العين، مثلما رواها تلميذ المدرسة الأحمدية المقدسة، مدرسة الصفّة، ذلك التلميذ الموثوق الحافظ ابو هريرة، رواها باسم اصحاب الصفة جميعهم وأشهدهم عليها.
فالذي لا يتلقى هذا الخبر تلقياً كأنه يشاهده، فهو إما فاسد القلب أو فاقد العقل.
تُرى هل من الممكن أن صحابياً جليلاً مثل ابي هريرة الصادق الذي بذل حياته في حفظ الحديث النبوي، أن يحط من قيمة ما حفظه من الاحاديث النبوية فيورد ما يثير الشك والشبهة ويقول ما يخالف الحق والواقع، وهو الذي سمع قول النبي y: (مَنْ كَذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) حاشاه عن ذلك.
فيارب بحرمة بركة هذا الرسول الكريم y هب لنا البركة فيما منحتنا من ارزاق مادية ومعنوية.
نكتة مهمة
بديهي انه كلما اجتمعت اشياء واهية ضعيفة تقوّت. واذا اُبرمت خيوط رفيعة واتحدت صارت عروة وثقى لا تنفصم. وقد اوردنا هنا ستة عشر مثالاً لقسمٍ من خمسة عشر قسماً من نوع معجزة البركة التي تمثل نوعاً من خمسة عشر نوعاً من انواع المعجزات، وكل
----------------------------------------------------
(1) رواه البخاري في الاستئذان: باب اذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن، وفي الرقاق: باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه وتخليهم عن الدنيا، والحديث عند الترمذي (2479 - تحقيق أحمد شاكر) باختلاف يسير في اوله وليس عندها ذكر للمائة رجل. والله اعلم.