واذا تفطنت لهذه الاساسات فاستمع لما يُتلى عليك:
فنحن معاشر اهل السنة والجماعة نقول: يا اهل الاعتزال! ان العبد ليس خالقاً للحاصل بالمصدر كالحاصل من المصدر(3)، بل هو مصدر المصدر فقط(4)؛ اذ (لا مؤثر في الكون الا الله)، والتوحيد هكذا يقتضي. ثم نقول: يا اهل الجبر! ليس العبد مضطراً بل له جزء اختياري لان الله حكيم. وهكذا يقتضي التنزيه.
فان قلتم: كلما يُشرّح الجزء الاختياري بالتحليل لايظهر منه الا الجبر.
قيل لكم:
اولاً: ان الوجدان والفطرة يشهدان ان بين الامر الاختياري والاضطراري امرا خفيا فارقا، وجودُه قطعي. فلا علينا ان لانعبِّر عنه.
وثانياً: نقول ان الميلان ان كان امراً موجوداً -كما عليه الاشاعرة - فالتصرف فيه امر اعتباري بيد العبد(1)؛ وان كان الميلان امرا اعتباريا -كما عليه الماتريدية - فذلك الامر الاعتباري ثبوته وتخصصه لايستلزم العلة التامة الموجبة(2) فيجوز التخلف(3). فتأمل!
والحاصل: ان الحاصل بالمصدر موقوف عادة على(4) المصدر الذي اساسه الميلان الذي هو - او التصرف فيه - ليس موجوداً حتى يلزم(5) من تخصصه مرة هذا ومرة ذاك ممكن بلا مؤثر، او ترجح بلا مرجح.. ولامعدوماً ايضاً حتى لايصلح ان يكون شرطا لخلق
-------------------
(3) اى ليس خالقاً للأثر الحاصل بالمصدر، وهو الذى يطلق عليه الكسب (ت:81)
(4) فليس بيد العبد الاّ الكسب (ت:81)
(1) اى تحويل ذلك الميلان من فعل الى آخر (ت:81)
(2) بحيث لا تبقى الحاجة الى الارادة الكلية (ت:81) والعلة التامة: هى جملة ما يتوقف عليه وجود الشئ (التعريفات).
(3) اذ كثيراً لا يقع الفعل بوقوع الميلان (ت:81)
(4) على عادة الله الجارية (ت:81)
(5) فيحتاج الى مؤثر (ت:81)