اشارات الاعجاز | خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ و | 93
(89-99)

وشبطهم(1)؛ اذ ذهبوا ظناً منهم الى التنزيه فوقعوا في شَرَك الشِرك. وان شئت التفصيل فاستمع لمسائل تطرد ذلك الوهم:
منها: انه كما ان استماع الانسان وتكلمه وملاحظته وتفكره جزئية تتعلق بشئ فشئ على سبيل التعاقب؛ كذلك همتُه جزئية لاتشتغل بالاشياء إلا على سبيل التناوب.
ومنها: ان قيمة الانسان بنسبة ماهيته.. وماهيته بدرجة همته.. وهمته بمقدار اهمية المقصد الذي يشتغل به.
ومنها: ان الانسان الى اي شئ توجّه يفنى فيه وينحبس عليه. ومن هذه النقطة ترى الناس - في عرفهم - لايسندون شيئا خسيساً وأمراً جزئيا الى شخص عظيم وذاتٍ عال؛ بل الى الوسائل ظناًً منهم ان الاشتغال بالامر الخسيس لايناسب وقاره، وهو لايتنزل له ولا يسع الامر الحقير همته العظيمة، ولا يوازن الامر الخفيف مع همته العظيمة.
ومنها: ان من شأن الانسان - اذا تفكر في شئ لمحاكمة احواله - ان يتحرى مقاييسه وروابطه واساساته، أولاً في نفسه، ثم في ابناء جنسه.. وان لم يجد ففي جوانبه من الممكنات. حتى ان واجب الوجود الذي لايشبه الممكنات بوجه من الوجوه اذا تفكر فيه الانسان تلجؤه القوة الواهمة لان يجعل هذا الوهم السئ المذكور دستوراً، والقياس الخادع منظاراً له. مع ان الصانع جل جلاله لاينظر اليه من هذه النقطة؛ اذ لا انحصار لقدرته.
ومنها: ان قدرته وعلمه وارادته جل جلاله كضياء الشمس - ولله الْمَثَلُ الاعْلى - شاملة لكل شئ، وعامة لكل امر. فلا تقع في الانحصار ولاتجئ في الموازنة. فكما تتعلق باعظم الاشياء كالعرش؛ تتعلق باصغرها كالجوهر الفرد.. وكما خلق الشمس والقمر؛ كذلك خلق عينَي البرغوث والبعوضة.. وكما اودع نظاماً عالياً في الكائنات؛ كذلك اوقع

---------------------

(1) لقد وردت هذه الكلمة مصروفة في عدة مواضع من الكتاب، ولعلها: (شطّ) بمعنى: أفرط وتباعد عن الحق، او (شيّط) من شاط اى: هلك.

لايوجد صوت