ان أقوى ما يدّعونه أيضاً ليس بايمان؛ اذ ليس ايمانهم بهما على وجههما. وكرر الباء للتفاوت؛ اذ الايمان بالله ايمان بوجوده ووحدته، وباليوم الآخر بحقيته ومجيئه كما مرّ.
واما ﴿وما هم بمؤمنين﴾
فان قلت: لِمَ لم يقل (وما امنوا) الأشبه بـ (آمنا)؟
قيل لك: لئلا يُتوهم التناقض صورة(1)، ولئلا يرجع التكذيب الى نفس (آمنا) الظاهر انشائيته المانعة من التكذيب. بل ليرجع النفي والتكذيب الى الجملة الضمنية المستفادة من (آمنا)، وهي (فنحن مؤمنون).. وأيضا ليدل باسمية الجملة على دوام نفي الايمان عنهم.
ان قلت: لِمَ لا يدل على نفي الدوام مع ان (ما) مقدم؟
قيل لك: ان النفي معنى الحرف الكثيف، والدوام معنى الهيئة الخفيفة، فالنفي أغمس وأقرب الى الحكم.
ان قلت: ما نكتة(2) الباء على خبر ما؟
قيل لك: ليدل على انهم ليسوا ذواتاً أهلاً للايمان وإن آمنوا صورة، اذ فرقٌ بين (ما زيد سخيا) و(ما زيد بسخي)؛ اذ الأول: لهوائية الذات، معناه: زيد لايسخو بالفعل وان كان أهلا ومن نوع الكرماء. وأما الثاني: فمعناه زيد ليس بذاتٍ قابل للسماحة وليس من نوع الأسخياء وإن أحسن بالفعل.
------------------
(1) اي بين (آمنا) التى جاءت في الآية، وبين (وما آمنوا) المذكورة في السؤال.
(2) نكتة في غاية الدقة (المؤلف).