اشارات الاعجاز | يُخادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَع | 106
(105-111)

ياهذا! ان كان لك عقل فهذا محال.. ثم: ان كنت تحب نفسك فهذا يضرها.. ثم: ان كان لك حسّ فلِمَ لاتميز بين الضر والنفع؟. ثم: إن لم يكن لك اختيار فلا اقل من ان تعرف فساد سجيتك، وفيها مرض يحرِّف الحقيقة، ويريك الحلو مراً.. ثم: ان تطلب الشفاء فهذا يزيد مرضك ولايشفي، مثلك كمثل من ابتلى بداء السهر فاجتهد في النوم فانتج له قلقا طيّر نعاسه أيضا، أو كمن أصيب قلبه بداء (المرق)(1) فاغتمّ لوجود المصيبة حتى صير المصيبة مصيبتين.. ثم: ان تتحرَّ اللذة فهذا فيه ألم شديد ينتج ألماً أشد ليس كأمثاله التي فيها لذة مزخرفة.. ثم: ان لم تنتبه ولم تنزجر لا يبقى الا ان يوسمَ على خرطومك بوسم قبيح، وتُعلَن بين الناس لمنع سراية فسادك الى الناس؛ كذلك ان الله تعالى قال لزجر المنافقين ﴿يخادعون الله﴾ بدل (يخادعون النبيّ) لتحميقهم، أي: كيف يخادعون النبيّ عليه السلام والنبيّ مبلِّغ عن الله تعالى، فحيلتهم راجعة الى الله، والاحتيال مع الله تعالى محال، وطلب المحال حمق. ومثل هذا الحمق مما يُتعجب منه.. ثم اتبعه ﴿وما يخدعون الا انفسهم﴾ لتسفيههم، أي: ليس في فعلكم نفع بل فيه ضرر، وضرره يعود على أنفسكم، فكأنكم تخادعون أنفسكم.. ثم عقّبه ﴿وما يشعرون﴾ لتجهيلهم أي: ايّها الجهلاء! قد صرتم أضلّ من الحيوان، كالاحجار الجامدة لاتحسون بالفرق بين الضر والنفع.. ثم اردفه ﴿في قلوبهم مرض﴾ لترذيلهم بانفساد الجوهر، أي: ان لم يكن لكم اختيار فلا أقل من أن تعرفوا المرض مرضاًً، وان سجيتكم فسدت. وان النفاق والحسد مرض في الروح من شأنه تحريف الحقيقة وتغييرها حتى تظنون الحلو مراً والمرّ حلواً والسوداء بيضاء والأبيض أسود فلا تتبعوه.. ثم زاد ﴿فزادهم الله مرضاً﴾ لتذليلهم، أي: إن كنتم تطلبون بهذا الدواء والتشفي من غيظكم وحسدكم فهذا داء لا يزيدكم الا مرضا على مرض. فأنتم كمن كَسرَ احدٌ يدَه فأراد الانتقام فضرَبَه بتلك اليد المكسورة فازداد كسراً على كسر.. ثم قال ﴿ولهم

---------------

(1) المرق: كلمة اعجمية تعنى الاهتمام واللهفة والامل وحب التطلع.

لايوجد صوت