اشارات الاعجاز | يُخادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَع | 109
(105-111)

رمز الى ان حسدهم وحقدهم مرض في ملكوت القلب وهي اللطيفة التي مر ذكرها.. وفي عنوان (القلب) اشارة الى انه كما ان جسم القلب اذا مرض اختل جميع أفعال البدن؛ كذلك اذا مرض معنى القلب بالخداع والنفاق انحرف كل أفعال الروح عن منهج الاستقامة اذ هو منبع الحياة ومَاكِنَتُها.. وفي تقديم ﴿في قلوبهم﴾ على ﴿مرض﴾ ايماء الى الحصر بجهتين، ومن الايماء اشارة بطريق التعريض الى ان الايمان نور، شأنه أن يعطي لجميع أفعال الانسان وآثاره صحة واستقامة.. وأيضاً في ايماء الحصر رمز الى ان الفساد في الأساس فلا يجدي تعمير الفروعات.. وفي لفظ (المرض) رمز الى قطع عذرهم وإلقامهم الحجر بان الفطرة مهيأة للحقيقة. وما الفساد والخراب الاّ مرض عارض.. وفي تنوين التنكير اشارة الى انه في مكمن عميق لا يرى حتى يداوى.
وفي الخامسة: أعني جملة ﴿فزادهم الله مرضاً﴾ هو:
انهم حينما لم يعرفوا انه مرض حتى يتجنبوا منه بل طلبوه مستحسنين له زادهم الله تعالى؛ اذ (مَن طلب وَجَد).. وفي (الفاء) التي هي للتعقيب السببي - مع ان وجود المرض ليس سببا لزيادته - رمزٌ الى انهم لما لم يشخصوا المرض فلم يتحروا وسائل الشفاء بل توسلوا بأسباب الزيادة كمن يضارب خصماً غالباً بيده العليلة صاروا كأنهم طلبوا الزيادة فزادهم الله مرضاً بقلبِ أملهم يأساً مزعجا، بسبب ظفر المؤمنين، وقلب خصومتهم حقداً محرقاً للقلب بسبب غلبة المؤمنين، فتولد من مرضَي اليأس والحقد داء الخوف وعلة الضعف ومرض الذلة فاستولت على القلب.
ثم ان الله تعالى لم يقل (فزاد الله مرضهم) بل جعل المفعول تمييزاً للإشارة الى ان المرض الباطنيّ القلبيّ سرى الى الظاهر أيضاً وتعدى الى جميع الأفعال، فكأن هذا الداء الخبيث استولى على وجودهم فكأن وجودهم نفس الداء فزيادة جراحات المرض ونفطاته(1

---------------

(1) نفطاته: بثراته.

لايوجد صوت