ويتجلدوا في كلامهم.. وأيضاً ان في ترك التأكيد ايماء الى تشددهم في دفع التهمة عنهم، كأنهم يقولون: انكاركم ليس في موقعه بل في منزلة العدم، اذ لسنا أهلاً للتهمة.. وأيضاً فيه رمز الى ان التأكيد لايروج عنهم.. وأيضا فيه لمح الى ان هذا الحجاب الرقيق الضعيف على الكذب اذا شدد تمزق.. وأيضا في فعليته اشارة الى انه لايمكن لهم ان يدعوا الثبات والدوام، وانما غرضهم من هذا التصنع الاشتراك في منافع المؤمنين والاطلاع على اسرارهم بادعاء حدوث الايمان.
وأما جملة ﴿واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم﴾ فـ(الواو) الجامعة في ﴿واذا﴾ ايماء الى ان هذا الكلام سيق لبيان ان لامسلك لهم، ولبيان تذبذبهم المفصل بهاتين الشرطيتين.. والجزمية في ﴿اذا﴾ رمز الى انهم بحكم الفساد والافساد يرون الالتجاء وظيفةً ضرورية.. ولفظ ﴿خلوا﴾ اشارة الى انهم بحكم الخيانة يتخوفون، وبحكم الخوف يتسترون.. ولفظ ﴿الى﴾ بدل (مع) المناسب لِـ(خلوا) اشارة الى انهم بحكم العجز والضعف يلتجئون، وبحكم الفتنة والافساد يوصلون اسرار المؤمنين الى الكافرين.. ولفظ (الشياطين) اشارة الى ان رؤساءهم كالشياطين متسترون موسوسون، والى انهم كالشياطين يضرون، والى انهم على مذهب الشياطين لايتصورون الاّ الشر.
وأما جملة ﴿قالوا إنّا معكم﴾ المسوقة لتبرئة ذمتهم وتجديد عهدهم وثباتهم في مسلكهم، فاعلم! انه أكد مع غير المنِكر هنا، وترك التأكيد مع المنِكر هناك(1) اشارةً ودلالةً على عدم الشوق المحرك في قلب المتكلم هناك ووجوده هنا. أما اسمية هذا وفعلية ذاك، فلأن المقصود اثبات الثبوت والدوام في ذا، والحدوث في ذلك.
أما ﴿انما نحن مستهزؤن﴾ فاعلم! انه لم يعطف، اذ الوصل انما هو بالتوسط بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع. مع ان هذه الجملة بدلٌ بجهة وتأكيد بجهة وهما من كمال الاتصال، وجوابُ سؤالٍ مقدَّر بجهة أخرى، وهو من كمال الانقطاع لخبرية الجواب وانشائية
-----------------------
(1) اى في الآية: (قالوا آمنا) بلا تأكيد.