وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى اَنَّهُ وَاحِدٌ(2)
ثم اعلم! ان الصانع كما انه واجب الوجود وواحد؛ كذلك انه متصف بجميع الأوصاف الكمالية؛ لأن ما في المصنوع من فيض الكمال انما هو مقتبس من ظل تجلي كمال صانعه. فبالضرورة يوجد في الصانع جل جلاله من الجمال والكمال والحسن ما هو أعلى بدرجات غير متناهية من عموم ما في عموم الكائنات من الحسن والكمال والجمال؛ اذ الاحسان فرعٌ لثروة المحسِن ودليل عليها، والايجاد لوجود الموجِد، والايجاب لوجوب الموجب، والتحسين لحسن المحسّن المناسب له..
وكذلك ان الصانع منزَّه عن جميع النقائص، لأن النواقص انما تنشأ عن عدم استعداد ماهيات الماديات وهو تعالى مجرد عن الماديات..
وكذلك انه تعالى مقدس عن لوازم وأوصافٍ نشأت من إمكان ماهيات الكائنات وهو سبحانه واجب الوجود ليس كمثله شئ جل جلاله. ولقد أشار الى هاتين الحقيقتين بقوله: ﴿فلا تجعلوا لله أنداداً﴾.
أما الدليل الامكانيّ المشار اليه بقوله تعالى: ﴿وَالله الْغَنِيُّ وَاَنْتُمُ الفُقَرَاءُ﴾ ( سورة محمد:38) فاعلم! ان كل واحدة من ذَرات الكائنات باعتبار ذاتها، وباعتبار فردٍ فردٍ من صفاتها، وباعتبار واحدٍ واحدٍ من أحوالها، وباعتبار جهةٍ جهةٍ من وجوهها؛ بينما تراها تتردد بين الامكانات الغير المتناهية في الذات والصفات والأحوال والوجود، اذاً انتعشت وقامت وسلكت طريقاً معيناً منها ولبست صفة مخصوصة، وتكيفت بحالة منتظمة، وركبت على قانون مسدَّد، وتوجهت الى مقصد معيّن، فأنتجت حكمةً ومصلحةً لا تحصلان الاّ
-------------------
(2) لابى العتاهية في ديوانه وينسب الى الامام علي كرم الله وجهه. ونسبه إبن كثير في مقدمة تفسيره الى إبن المعتز.