فما دامت هذه الكبرياء وهذه القدرة العظيمة موجودتين، وما دامت صفة الكبرياء هذه هي في منتهى الكمال والاحاطة التامة، فلا يمكن أن تسمحا مطلقاً لأي نوع من انواع الشرك؛ لأن الشرك يعني اسناد العجز والحاجة الى تلك القدرة المطلقة، والصاق القصور بتلك الكبرياء، وعزو النقص بذلك الكمال، وتحديد تلك الاحاطة بالقيد، وانهاء غير المتناهي المطلق. فلا يمكن ان يقبل ذلك كل من له عقل وشعور، وكل من له فطرة سليمة لم تتفسخ.
وهكذا فالشرك من حيث هو تحدٍ لتلك الكبرياء، وتطاول على عزة ذي الجلال، ومشاركة للعظمة، جريمة نكراء لاتدع مجالاً للعفو والصفح والمغفرة. وان القرآن - ذا البيان المعجز - يعبّر عن هذا ويبيّنه ويشفعه بذلك التهديد الصارخ والوعيد الرهيب بقوله تعالى:
﴿إنَّ الله لا يَغفِرُ أنْ يُشرَكَ بهِ ويَغفِرُ ما دونَ ذَلكَ لمنْ يَشاء﴾(النساء: 48).
* * *
الحقيقة الثانية
ظهور الافعال الربانية ظهوراً مطلقاً ومحيطاً
وهي التي يشاهد تصرفها في الكون قاطبة وتظهر ظهوراً مطلقاً محيطاً، ولا يحدد تلك الافعال الاّ الحكمة الربانية، والارادة الإلهية، وقابليات المظاهر. فالمصادفة العشواء والطبيعة الصماء والقوة العمياء والاسباب الجامدة والعناصر المبعثرة، لن تمتد يدها او تتدخل في تلك الافعال التي هي في منتهى الدقة والميزان والحكمة، والتي تنجز بكل بصيرة وحيوية وانتظام وإحكام. وليست الاسباب الاّ حجاباً ظاهرياً فحسب تستخدمها القدرة الفاعلة لذي الجلال والعزة، وتسخرها على وفق أمره وإرادته وقوته.
ونودّ هنا بيان ثلاثة امثلة عن الافعال الربانية - من بين الآلاف