يُدرك أخفى الاسرار المجهولة لحقيقة خلق الكون التي عجزت الفلسفة عن ادراكها. فألف شكر وشكر، وألف حمدٍ وثناء لخالقي الرحيم أرفعه بعدد حروف رسائل النور، أن تمكنت (رسائل النور) حلّ هذا السر العجيب، وكشفت هذا الذي يظنه الجاهل غموضاً غريباً، بل أثبتته ببراهين قاطعة. وبخاصة في بحث (وهو على كل شئ قدير) الموجود في نهاية (المكتوب العشرين) وفي بحث (الفاعل مقتدر) من (الكلمة التاسعة والعشرين) فأثبتت سعة القدرة الإلهية وطلاقتها بالبراهين القاطعة بدرجة حاصل ضرب الاثنين في اثنين يساوي أربعاً وذلك في مراتب (الله اكبر) من (اللمعة التاسعة والعشرين) التي اُلّفت باللغة العربية..
فمع اِحالة الايضاح والتفصيل الى هناك أردت أن أبين هنا بياناً مجملاًً، كفهرست مختصر تلك الاسس والادلة التي تعالج هذا السر وتكشفه وتوضحه، ثم الاشارة الى ثلاثة عشر سراً بثلاث عشرة مرتبة، وبدأت بكتابة السر الاول والثاني، ولكن مانعين قويين ماديين ومعنويين حالا - مع الاسف - بيني وبين كتابة بقية الاسرار في الوقت الحاضر.
السر الاول: اذا كان الشئ ذاتياً، فلا يكون ضده عارضاً له، لأنه اجتماع الضدين وهو محال. فبناءً على هذا السر:
مادامت القدرة الإلهية ذاتية وهي الضرورة اللازمة للذات المقدسة، فلايمكن ان يكون العجز الذي هو ضد تلك القدرة عارضاً للذات القادرة. وما دام وجود المراتب في الشئ الواحد يكون بتداخل ضده - مثلما تتكون مراتب قوة الضياء وضعفه بمداخلة الظلمة، ودرجات ارتفاع الحرارة وهبوطها بتداخل البرودة، ومقادير شدة القوة وضعفها بمقابلة المقاومة وممانعتها لها - فلا يمكن ان تحتوى تلك القدرة الذاتية على مراتب.. فهي تخلق الاشياء وتوجِدها كالشئ الواحد. فمادامت تلك القدرة الذاتية متجردة من المراتب ومن الضعف ومن النقص، فلا جرم ان لايقف امامها مانع ولايصعب عليها ايجاد.