في هذه الدنيا هو اكثر مما يسره، فمعرفته تلك الحوادث قبل وقوعها أليم جداً.
فلأجل هذه الحكمة ظل الموت والأجل مبهَمَين مستورين عن علم الانسان، وبقي ما سيصيب الانسان من مصائب ونكبات محجوباً في ثنايا الغيب، فكان من مقتضى هذه الحكمة الربانية والرحمة الإلهية الاّ يُطلع سبحانه نبيَّه y اطلاعاً كلياً ومفصلاً على ما سيلقاه آلُه وصحبه وامته من بعده من حوادث مؤلمة ومصائب مفجعة، بل أخبره سبحانه عن بعضٍ من الحوادث المهمة - بناء على حِكَم معينة - إخباراً غير مفجع، رفقاً بما يحمله من رحمة عظيمة ورأفة شديدة نحو أمته وتجاه آله واصحابه. كما انه سبحانه قد بشّره بحوادث مفرحة أيضاً بشارةً مجملة لبعضها ومفصلةً للاخرى(2) فأخبر y أمته بما علّمه ربُّه ونقله المحدّثون الصادقون العدول بروايات صحيحة الينا، اولئك الذين كانوا أشد تقوى وخشية من ان يصيبهم الزجر المخيف في قوله y : (مَن كَذب عليَّ مُتعمـّداً فَلْيَتبوأ مَقعدَه من النار)(1) والذين كانوا يهربون خوفاً من ان تنالهم الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ أظْلمُ ممّن كَذَبَ على الله﴾(الزمر:32).
الاساس السادس
ان احوال الرسول y واوصافه قد بُيّنت على شكل سيرة وتاريخ
-------------------------------------------------------------
(2) ان الدليل على أن الله سبحانه لم يُطلع رسوله y اطلاعاً كاملاً على أن الصّديقة عائشة رضي الله عنها ستكون في وقعة الجمل هو: أنه y قال لزوجاته الطاهرات (ايكن تنبح عليها كلاب الحوأب) اي من منكن ستشترك في تلك الواقعة، وذلك لئلا يجرح سبحانه ما يكنّه الرسول y من حب شديد ورأفة كاملة تجاه عائشة رضي الله عنها. إلاّ أنه سبحانه اطلعه بعد ذلك اطلاعاً مجملاً بالأمر حيث قال y لعلي رضي الله عنه بحقها: (فأرفق وبلّغها مأمنها) .ــ المؤلف
(1) صحيح متواتر: صحيح الجامع الصغير وزيادته، قال المحقق: حديث صحيح متواتر. (5/352) وعدّ واحداً وسبعين صحابياً نقلوا الحديث، وممن اطلق عليه التواتر: ابن الصلاح والنووي والعراقي وابن الجوزي وغيرهم (النظم المتناثر في الحديث المتواتر 20ــ24).