وقد اثبتت رسائل النور اثباتاً قاطعاً: ان الكفر والضلالة تحقير عظيم للكائنات وظلم شنيع للموجودات، ووسيلة لرفع الرحمة الالهية ونزول المصائب والبلايا، حتى وردت روايات من ان الاسماك التي في قعر البحر تشكو الى الله ظلم الجناة، لسلبهم راحتها.
ولهذا فالذى يرأف ويعطف على تجرع الكافر صنوف العذاب في النار، يعني أنه لا يرأف ولا يعطف على أبرياء لا يحصيهم العد ممن هم أليق بالرأفة وأجدر بالعطف بل ولا يشفق عليهم، بل يظلمهم ظلماً فاضحاً.
ولكن هناك أمر آخر وهو:
ان البلاء عندما ينزل بالمستحقين له، يُبتلى به الابرياء ايضاً. وعندها لا يمكن عدم الرأفة بهم. الاّ ان هناك رحمة خفية لاولئك الابرياء المظلومين الذين تضرروا من ذلك البلاء النازل بالجناة.
ولقد كنت - في وقت ما في الحرب العالمية الاولى - أتألم كثيراً من المظالم والقتل الذي يرتكبه الاعداء تجاه المسلمين ولاسيما تجاه اطفالهم وعوائلهم، وكنت أتعذّب عذاباً يفوق طاقتي - لما فيّ من شفقة مفرطة ورأفة متزايدة - وحينها ورد على القلب فجأة الآتي:
ان اولئك الابرياء المقتولين يُستشهدون ويصبحون أولياء صالحين، وان حياتهم الفانية تُبدل الى حياة باقية، وان اموالهم الضائعة تصبح بحكم الصدقة فتبدل الى اموال باقية. بل حتى لو كان اولئك المظلومون كفاراً فان لهم من خزينة الرحمة الالهية مكافآت بالنسبة لهم كثيرة - مقابل ما عانوا من البلاء في الدنيا - بحيث لو رفع ستار الغيب فان ما ينالونه من رحمة ظاهرة يدفعهم الى ان يلهجوا بـ: الشكر لله والحمد لله.
عرفت هذا، واقتنعت به قناعة تامة، ونجوت بفضل الله من الألم الشديد الناشئ من الشفقة المفرطة.