جاءني -ذات يوم- فريق من الشباب، يتدفقون نضارة وذكاءً، طالبين تنبيهات قوية وارشادات قويمة تقيهم من شرورٍ تتطاير من متطلبات الحياة ومن فتوة الشباب ومن الاهواء المحيطة بهم.
فقلت لهم بمثل ما قلته لأولئك الذين طلبوا العون من رسائل النور:
اعلموا ان ما تتمتعون به من ربيع العمر ونضارة الحياة ذاهب لا محالة، فان لم تلزموا انفسكم بالبقاء ضمن الحدود الشرعية، فسيضيع ذلك الشباب ويذهب هباءً منثوراً، ويجرّ عليكم في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة بلايا ومصائب وآلاماً تفوق كثيراً ملذات الدنيا التي أذاقكم اياها.. ولكن لو صرفتم ربيع عمركم في عفة النفس وفي صون الشرف وفي طاعة ربكم بتربيته على الاسلام، اداءاً لشكر الله تعالى على ما أنعم عليكم من نعمة الفتوة والشباب، فسيبقى ويدوم ذلك العهد معنىً، وسيكون لكم وسيلة للفوز بشباب دائم خالد في الجنة الخالدة.
فالحياة، ان كانت خالية من الايمان، او فَقَد الايمانُ تأثيره فيها لكثرة المعاصي، فانها مع متاعها ولذتها الظاهرية القصيرة جداً تذيق الآلام والاحزان والهموم اضعافَ اضعافَ تلك المتع والملذات، ذلك لأن الانسان -بما مُنح من عقل وفكر- ذو علاقة فطرية وثيقة بالماضي والمستقبل فضلاً عما هو عليه من زمان حاضر حتى انه يتمكن من ان يذوق لذائذ تلك الازمنة ويشعر بآلامها، خلافاً للحيوان الذي لا تعكر صفو لذته الحاضرة الاحزانُ الواردة من الماضي ولا المخاوف المتوقعة في المستقبل، حيث لم يمنح الفكر.
ومن هنا فالانسان الذي تردّىفي الضلالة واطبقت عليه الغفلة تفسد متعتُه الحاضرة بما يردُه من احزان من الماضي، وما يرده من اضطرابٍ جراء القلق على المستقبل. فتتكدر حياتُه الحاضرة بالآلام