اضطر الى الاعتزال. ومن نظر في مقام الاعتقاد ومقاييسه بروحه ووجدانه الى دائرة الاسباب أنتج له توكلا تَنْبَلِياً(1) وتمرداً في مقابلة المشيئة النظامة.
﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ في (الكاف) نكتتان:
احداهما: تضمن الخطاب بسر الالتفات(2) للاوصاف الكمالية المذكورة، اذ ذكرها شيئاً شيئاً يحرّك الذهن ويُعدّه ويملأُهُ شوقاً ويهزه للتوجه الى الموصوف. فـ(اياك) أي: يامن هو موصوف بهذه الصفات.
والاخرى: ان الخطاب يشير الى وجوب ملاحظة المعاني في مذهب البلاغة ليكون المقروء كالمُنْزَل، فينجر طبعاً وذوقاً الى الخطاب. فـ (ايّاك) يتضمن الامتثال بـ(أُعْبُدْ رَبَّكَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ).(3)
والتكلم مع الغير في ﴿نعبد﴾ لوجوه ثلاثة:
أي نعبد نحن معاشر أعضاء وذرّات هذا العالم الصغير - وهو أنا - بالشكر العرفي الذي هو إطاعة كلٍ لما أُمر به.. ونحن معاشر الموحّدين نعبدك باطاعة شريعتك.. ونحن معاشر الكائنات نعبد شريعتك الكبرى الفطرية(4) ونسجد بالحيرة والمحبة تحت عرش عظمتك وقدرتك.
وجه النظم: ان (نعبد) بيان وتفسير لـ (الحمد) ونتيجة ولازم لـ﴿مالك يوم الدين﴾.
واعلم! ان تقديم (اياك) للاخلاص الذي هو روح العبادة. وان في خطاب الكاف رمزاً الى علة العبادة لان من اتصف بتلك الاوصاف الداعية الى الخطاب استحق العبادة.
-------------------
(1) التنبل والتنبال: البليد الكسلان. ج تنابلة. والمقصود هنا مذهب الجبرية.
(2) الالتفات: هو العدول عن الغيبة الى الخطاب او التكلم، او على العكس (التعريفات).
(3) اصل الحديث رواه البخارى ومسلم، وفيه: ما الاحسان؟ قال: ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فانه يراك (متفق عليه) ورواية الطبرانى: اُعبدالله كأنك تراه. وهو حديث صحيح (صحيح الجامع الصغير 1049)
(4) اى ننقاد ونخضع ونطيع.