اشارات الاعجاز | سورة الفاتحة (الآية | 29
(22-41)

واعلم! ان الله عز وجل عيّن لكل شئ نقطةَ كمالٍ وأودع فيه ميلاً اليها، كأنه أمَرَه أمراً معنويا ان يتحرك به اليها، وفي سفره يحتاج الى ما يُمدُّه ودفع ما يَعوقهُ، وذلك بتربيته عز وجل. لو تأملت في الكائنات لرأيتها كبني آدم طوائف وقبائل يشتغل كلٌ منفرداً ومجتمعاً بوظيفته التي عيَّنَها له صانِعُه ساعياً مُجدّاً مطيعا لقانون خالقه. فما اعجب الانسان كيف يشذّ!
﴿الْعَالَمِينَ﴾ الياء والنون إما: علامة للاعراب فقط كـ(عشرين وثلاثين).. أو للجمعية؛ لأن اجزاء العالم عَوالم.. أو العالمُ ليس منحصراً في المنظومة الشمسية. قال الشاعر:
الَحَمْدُ لله كَمْ لله مِنْ فَلَكٍ تَجرِي النّجُومُ بِهِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وآثرَ جمعَ العقلاء مثل ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾( سورة يوسف:4) اشارةً الى ان نظرَ البلاغة يصوّر كل جزء من أجزاء العالم بصورةِ حيّ عاقلٍ متكلِّم بلسان الحال. اذ العالَم اسمُ مايُعلَمُ به الصانعُ ويشهدُ عليه ويشير اليه. فالتربية والإعلامُ يُومِيان - كالسجود - الى انها كالعقلاء.
﴿الْرَّحْمن الْرَّحِيمِ﴾
وجه النظم: انهما اشارتان الى أساسَيْ التربية؛ اذ (الرحمن) لكونه بمعنى الرزاق يلائم جلب المنافع؛ و(الرحيم) لكونه بمعنى الغفار يناسب دفع المضار وهما الاساسان للتربية.
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ اي يوم الحشر والجزاء.
وجه النظم: انه كالنتيجة لسابقه؛ اذ الرحمة من أدلة القيامة والسعادة الابدية؛ لان الرحمة انما تكون رحمةً، والنعمة نعمةً إذا جاءت القيامة وحصلت السعادة الابدية. وإلاّ فالعقلُ الذي هو من اعظم النِعَم يكون مصيبةً على الانسان، والمحبة والشفقة اللتان هما من ألطف انواع الرحمة تتحولان ألماً شديداً بملاحظة الفراق الابدي.
 إن قلت: ان الله تعالى مالكٌ لكل شئ دائما فما وجه الاختصاص؟(1)

-----------------

(1) في مالك يوم الدين (ت: 19)

لايوجد صوت