اشارات الاعجاز | سورة الفاتحة (الآية | 28
(22-41)

عالَم، وأودع في جوهره انموذجاً من كل عالَم تجلى فيه اسمٌ من اسمائه تعالى. فاذا صرفَ الانسانُ كل مااُنعِمَ عليه الى ماخُلِقَ لأجله ايفاءً للشكر العرفي - الداخل تحت الحمد - وامتثالاً للشريعة التي هي جلاء لصدأ الطبيعة، يصيرُ كلُّ انموذجٍ مشكاةً لعالَمِهِ ومرآةً له وللصفة المتجلية فيه والاسم المتظاهر منه. فيكون الانسان بروحه وجسمه خلاصةَ عالمَيْ الغيب والشهادة، ويتجلى فيه ما تجلى فيهما.
فبالحمد يصير الانسان مظهراً للصفات الكمالية الالهية. يدل على هذا قول محي الدين العربي(4) في بيان حديث(كُنْتُ كَنْزَاً مَخْفِيًّا فَخَلًقْتُ الْخَلْقَ لِيَعْرِفُوني)(5) أي: فخلقت الخلق ليكون مرآةً أشاهِدُ فيها جمالي.
﴿لله﴾ أي الحمد مختص ومستحق للذات(1) الاقدس المشخص الذي يُلاحَظ بمفهوم (الواجب الوجود)(2) اذ قد يلاحظ المشخص بأمر عام. وهذه اللام متعلقة بمعنى نفسها،كأنها تشربت معنى متعلقها(3). وفي اللام اشارة الى الاخلاص والتوحيد.
﴿رَبِّ﴾ أي الذي يربّي العالم بجميع اجزائه، التي كلٌ منها كالعالم عالَم؛ وذرَّاتهُ كنجومه متفرِّقةٌ متحرِّكة بالانتظام.
-------------

(4) محي الدين بن عربي: 560 - 638 هـ /1165 - 1240 م
هو محمد بن علي بن محمد ابن عربي، ابو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي، المعروف بمحي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر: فيلسوف، من أئمة المتكلمين في كل علم. ولد في مرسيه (بالاندلس) وانتقل الى اشبيلية. وقام برحلة فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز. وانكر عليه اهل الديار المصرية (شطحات) صدرت عنه، فعمل بعضهم على إراقة دمه. وحبس، فسعى في خلاصه علي بن فتح البجائي فنجا. واستقر في دمشق، فتوفي فيها له نحو اربعمائة كتاب ورسالة، منها (الفتوحات المكية) في التصوف وعلم النفس و(فصوص الحكم).
الاعلام 6/281 فوات الوفيات 2/241 ميزان الاعتدال 3/108 جامع كرامات الاولياء 1/118 شذرات الذهب 5/190.
(5) لا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف، الاّ ان علي القارئ قال: ولكن معناه صحيح، مستفاد من قوله تعالى ﴿وما خلقت الجن والانس إلاّ ليعبدون﴾ اى ليعرفونى، كما فسره ابن عباس رضى الله عنهما (باختصار عن كشف الخفاء 2/132).
(1) جعل كلمة (الذات) اسماً للحقيقة فزال التأنيث.
(2) الذى يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج الى شئ اصلاً.
(3) بعد حذف متعلقها (ت: 17)

لايوجد صوت