اشارات الاعجاز | سورة الفاتحة (الآية | 27
(22-41)

البشر؛ لتأنيس الاذهان وتفهيمها، كمن تكلم مع صبيّ بما يألفه ويأنس به. فان الجمهور من الناس يجتنون معلوماتهم عن محسوساتهم ولا ينظرون الى الحقائق المحضة الا في مرآة متخيلاتهم ومن جانب مألوفاتهم.. وايضا المقصود من الكلام: افادةُ المعنى، وهي لاتتم الا بالتأثير في القلب والحس، وهو لايحصل الا بإلباس الحقيقة اسلوبَ مألوف المخاطب وبه يستعد القلب للقبول.

﴿الحَمْدُ﴾
وجه النظم مع ما قبله: ان (الرحمن) و(الرحيم) لما دلّتا على النِعَم استوجبتا تعقيب الحمد. ثم ان ﴿الحمد لله﴾ قد كُرِّرَت في أربع سُوَرٍ من القرآن(3)، كل واحدة منها ناظرة الى نعمة من النعم الاساسية التي هي: النشأة الاولى، والبقاء فيها؛ والنشأة الاُخرى، والبقاء بعدها.(4)
ثم وجه نظمه في هذا المقام، أي جعله فاتحةَ فاتحةِ القرآن هو: انه كتصوّر العلة الغائية(1) المقَدَّم في الذهن؛ لان الحمدَ صورةٌ اجمالية للعبادة التي هي نتيجةٌ للخِلقة، والمعرفةِ التي هي حكمةٌ وغايةٌ للكائنات. فكأن ذكره تصورٌ للعلة الغائية.. وقد قال عز وجل ﴿وماخلقتُ الجنَّ والإِنس الاّ ليعبدون﴾(2)
ثم ان المشهور من معاني الحمد اظهار الصفات الكمالية.
وتحقيقه: ان الله سبحانه خلق الانسان وجعله نسخة جامعة للكائنات، وفهرستة(3) لكتاب العالَم المشتمل على ثمانية عشر الف

------------------

(3) وهى: الانعام، الكهف، سبأ، فاطر.
(4) قال ابو اسحق الاسفراينى رحمه الله: في سورة (الأنعام) كل قواعد التوحيد. ولما كانت نعمه تعالى مما تفوت الحصر إلاّ انها ترجع اجمالاً الى ايجاد وابقاء في النشأة الاولى، وايجاد وابقاء في النشأة الآخرة. وقد اشير في (الفاتحة) (الكهف) الى الابقاء الاول، وفي (سبأ) الى الايجاد الثانى، وفي (فاطر) الى الابقاء الثانى، فلهذا ابتدأت هذه السور الخمس بالتحميد (حاشية شهاب على سورة الانعام ج 4 ص2) (ب).
(1) اى يكون المعلوم لأجلها.
(2) سورة الذاريات:56.
(3) فهرس وفهرست كلمة معربة.

لايوجد صوت