ان قلت: مسالك الانبياء متفاوتة وعباداتهم مختلفة؟
قيل لك: ان التبعية في اصول العقائد والاحكام؛ لانها مستمرة ثابتة دون الفروعات التي من شأنها التغير بتبدل الزمان. فكما ان الفصول الاربعة ومراتب عمر الانسان تؤثر في تفاوت الادوية والتلبّس، فكم من دواء في وقت يكون داء في آخر؛ كذلك مراتب عمر نوع البشر تؤثر في اختلاف فروعات الاحكام التي هي دواء الارواح وغذاء القلوب.
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمَْ﴾.
وجه النظم: اعلم! ان هذا المقام لكونه مقام الخوف والتخلية يناسب المقامات السابقة؛ فينظر بنظر الحيرة والدهشة الى مقام توصيف الربوبية بالجلال والجمال، وبنظر الالتجاء الى مقام العبودية في (نعبد)، وبنظر العجز الى مقام التوكل في (نستعين)، وبنظر التسلي الى رفيقه الدائمي أعني مقام الرجاء والتحلية، اذ اوّل ما يتولد في قلب من يرى أمراً هائلا حِسُّ الحيرة ثم ميلُ الفرار ثم التوكلُ عند العجز ثم التسلي بعد ذلك الامر.
ان قلت: ان الله عز وجل حكيم غني فما الحكمة في خلق الشر والقبح والضلالة في العالم؟
قيل لك: اعلم! ان الكمال والخير والحسن في الكائنات هي المقصودة بالذات وهي الكليات؛ وان الشر والقبح والنقصان جزئيات بالنسبة اليها قليلة تبعية مغمورة في الخلقة، خلقها خالقها منتشرة بين الحسن والكمال، لا لذاتها، بل لتكون مقدمة، وواحداً قياسياً، لظهور - بل لوجود - الحقائق النسبية للخير والكمال.
ان قلت: فما قيمة الحقائق النسبية حتى اُستُحسن لأجلها الشرّ الجزئي؟