الصفة في الفرقة الثانية، وعنوان صفة الفرقة الاولى باعتبار المآل؟
قيل لك: اختار عنوان النعمة؛ لان النعمة لذةٌ تميل النفس اليها.. وفعلاً ماضيا للاشارة الى ان الكريم المطلق شأنه ان لايسترد مايعطى.. وأيضاً رمز الى وسيلة المطلوب بإظهار عادة المنعم، كأنه يقول: لأن من شأنك الانعام وقد أنعَمْتَ فأنْعِم عليّ.
أما ﴿غير المغضوب﴾ فالمراد منه: الذين تجاوزوا بتجاوز القوة الغضبية فظلموا، وفسقوا بترك الاحكام كتمرد اليهود. ولما كان في نفس الفسق والظلم لذة منحوسة وعزة خبيثة لا تتنفر منه النفس ذَكَرَ القرآنُ عاقبته التي تُنَفِّر كلَّ نفسٍ وهي نزول غضبه تعالى.. واختار الاسم الذي من شأنه الاستمرار اشارة الى ان العصيان والشر انما يكون سمة اذا لم ينقطع بالتوبة والعفو.
أمّا ﴿ولا الضَّالين﴾ فالمراد منه: الذين ضلوا عن الطريق بسبب غلبة الوهم والهوى على العقل والوجدان ووقعوا في النفاق بالاعتقاد الباطل كسفسطة النصارى. اختار القرآن نفسَ صفتهم لان نفسَ الضلالة أَلَمٌ، ينفر النفس ويجتنب منه الروح وإن لم يرَ النتيجة.. وإسماً لأن الضلالة انما تكون ضلالة اذا لم تنقطع.(1)
واعلم! ان كل الالم في الضلالة وكل اللذة في الايمان.
فإن شئت تأمل في حال شخص، بينما اخرجَتْه يدُ القدرة من ظلمات العدم وألقَتْهُ في الدنيا - تلك الصحراء الهائلة - اذ يفتح عينيه مستعطفا، فيرى البليات والعلل كالاعداء تتهاجم عليه، فينظر مسترحماً الى العناصر والطبائع فيراها غليظة القلب بلا رحمة قد كشرت عليه الاسنان؛ فيرفع رأسه - مستمداً - الى الاجرام العلوية فيراها مهيبة ومدهشة تهدده كأنها مرامي(2) نارية من أفواه هائلة تمر حواليه؛ فيتحير ويخفض رأسه متستراً ويطالع نفسه؛ فيسمع الوفَ
-----------------
(1) إذ انقطاعها اشارة الى دخولها ضمن العفو (ت: 29)
(2) قنابل وقذائف.