اشارات الاعجاز | اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ | 57
(55-61)

من يشاء من عباده، أي بعد صرف الجزء الاختياري. فالايمان نور لوجدان البشر وشعاع من شمس الازل يضئ دفعةً ملكوتيةَ الوجدان بتمامها. فينشر اُنسية له مع كل الكائنات.. ويؤسس مناسبة بين الوجدان وبين كل شئ.. ويلقي في القلب قوة معنوية يقتدر بها الانسان ان يصارع جميع الحوادث والمصيبات.. ويعطيه وُسْعةً يقتدر بها ان يبتلع الماضي والمستقبل. وكما ان الايمان شعاع من شمس الأزل(1)؛ كذلك لمعة من السعادة الابدية أي الحشر. فينمو بضياء تلك اللمعة بذور كل الآمال، ونواة كل الاستعدادات المودعة في الوجدان، فتنبت ممتدة الى الابد، فتنقلب نواة الاستعداد كشجرة طوبى.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلوةَ﴾
اعلم! ان وجه النظم أظهر من الشمس في رابعة النهار. وان في تخصيص (الصلاة) من بين حسنات القالب إشارة الى أنها فهرستة كل الحسنات وانموذجها ومَعْكسها. كالفاتحة للقرآن، والانسان للعالم. لاشتمالها على نوع صومٍ وحج وزكاة وغيرها، ولاشتمالها على انواع عبادات المخلوقات، الفطرية والاختيارية من الملائكة الراكعين الساجدين القائمين، ومن الحجر الساجد، والشجر القائم، والحيوان الراكع..
ثم انه أقام (يقيمون) مقام (المقيمين) لإحضار تلك الحركة الحياتية الواسعة والانتباه الروحاني الإلهي في العالم الاسلامي الى نظر السامع. ووضع تلك الوضعية المستحسنة والحالة المنتظمة من نواحي نوع البشر نصب عين الخيال، ليهيج ويوقظ ميلان السامع للتأسِّي؛ إذ من تأمل في تأثير النداء بالآلة المعروفة(2) في نفرات العسكر المنتشرين المغمورين بين الناس وتحريك النداء لهم دفعة، والقاء انتباه فيهم، وافراغهم في وضع مستحسن، وجمعهم تحت نظام مستملح يرى في نفسه اشتياقا لأن ينساب اليهم. فهكذا الاذان المحمَّدي بين الانسان في صحراء العالم (ولله المَثَلُ الاعْلَى)..

--------------------

(1) تعبير مألوف بحق الله جلّ جلاله المنور لكل شئ في الادب التركى والفارسى بخلاف الادب العربى.
(2) البوق العسكرى.

لايوجد صوت