وإنما لم يقتصر في مسافة الايجاز على (يصلّون) بل اتمها بـ ﴿يقيمون الصلاة﴾ للاشارة الى اهمية مراعاة معاني (الاقامة) في الصلاة من تعديل الاركان، والمداومة، والمحافظة، والجد، وترويجها في سوق العالم. تأمل!
ثم ان الصلاة نسبة عالية، ومناسبة غالية، وخدمة نزيهة بين العبد وسلطان الازل، فمن شأن تلك النسبة ان يعشقها كل روح.. وأركانها متضمنة للأسرار التي شرحها أمثال (الفتوحات المكية)، فمن شأن تلك الأسرار أن يحبها كل وجدان.. وانها دعوة صانع الازل الى سرادق حضوره خمس دعوات في اليوم والليلة لمناجاته التي هي في حكم المعراج. فمن شأنها ان يشتاقها كل قلب.. وفيها ادامة تصور عظمة الصانع في القلوب وتوجيه العقول اليها لتأسيس اطاعة قانون العدالة الالهية، وامتثال النظام الرباني. والانسان يحتاج الى تلك الادامة من حيث هو إنسان لانه مدنيّ بالطبع.. فيا ويلَ من تركها! وياخسارة من تكاسل فيها! وياجهالة من لم يعرف قيمتها! فسحقاً وبعداً وافّاً وتفًّاً(1) لنفسِ مَن لم يستحسنها.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.
وجه النظم: انه كما ان الصلاة عماد الدين وبها قوامه؛ كذلك الزكاة قنطرة الاسلام وبها التعاون بين أهله.
ثم ان من شروط ان تقع الصدقة موقعها اللائق:
ان لايسرف المتصدق فيقعد ملوماً.. وان لايأخذ من هذا ويعطي لذاك؛ بل من مال نفسه.. وان لايمنّ فيستكثر.. وان لايخاف من الفقر.. وان لايقتصر على المال، بل بالعلم والفكر والفعل أيضا.. وان لايصرف الآخذ في السفاهة، بل في النفقة والحاجة الضرورية.
------------------
(1) الاف والتف: وسخ الاذن والاظفار، ثم استعملا عند كل شئ يُضجر منه (الزاهر للانباري).