ونظام مخصوص، وقانون معين. وكل من القوانين والنظامات في تلك الاطوار يشف عن سائقٍ وقصدٍ وحكمةٍ. كيف لا، ولو تأملت من قافلة تلك المادة اللطيفة في ذرة مثلا، مستترة في عنصر الهواء تصير بالآخرة جزءاً من سواد عين (الحبيب)؛ لعلمت ان تلك الذرة وهي في الهواء معيّنة كأنها موظفة مأمورة بالذهاب الى مكانها الذي عيُنّ لها؛ اذ لو نظرت إليها بنظر فنيّ تيقنت ان ليست حركتها (اتفاقية عمياء) (بتصادف اعمى)، بل تلك الذرة ما دخلت في مرتبة الا تبعت نظاماتها المخصوصة، وماتدرجت الى طور الا عملت بقوانينه المعينة، وما سافرت الى طبقة الا وهي تساق بحركة عجيبة منتظمة. فتمر على تلك الاطوار حتى تصل الى موضعها. مع انها لاتنحرف قطعا مقدار ذرة عن هدف مقصدها.
والحاصل: ان من تأمل في النشأة الاولى لم يبق له تردد في النشأة الاخرى، ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (عجباً لمن يرى النشأة الاولى كيف ينكر النشأة الاخرى).
نعم! كما ان جمعَ نفراتِ عسكرِ فرقةٍ أُذِنَ لهم بالاستراحة والانتشار اذا دعوا بالآلة المعروفة - فيتسللون عن كل طرف ومكمن، فيجتمعون متحدين تحت لوائهم - يكون أسهل وأسهل من جلبهم أول الامر الى الانتظام تحت السلاح؛ كذلك ان جمعَ الذرات التي حصلت بينها المؤانسة والمناسبة بالامتزاج في وجودٍ واحدٍ اذا نوديتْ بصُور اسرافيل فينساب الكل من كل فج عميق ملبِّية لأمر خالقها يكون أسهل وأمكن في العقل من انشائها وتركيبها أول المرة.
أما بالنسبة الى القدرة فأعظم الاشياء كأصغرها. ثم الظاهر ان المعاد يعاد باجزائه الاصلية والفضولية معا. كما يشير اليه كبر أجسام اهل الحشر(1) وكراهة قصّ الاظفار والاشعار ونحوها للجُنُب، وسنّية
----------------
(1) عن ابى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول اللهy: ضرس الكافر - أو ناب الكافر - مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث. رواه مسلم (4/2189).