الصادق المصدوق، ولقد فتح كلامه أبواب السعادة الابدية، على ان إجماع الانبياء من آدمهم الى خاتمهم عليهم السلام على هذه الحقيقة حجة حقيقية قطعية على هذا المدعى. ولأمر مّا اتفقوا.
واما البرهان التاسع: فهو اخبار القرآن المعجز؛ اذ التنزيل المصدق اعجازه بسبعة اوجه(2) في ثلاثة عشر عصرا دعواه عين برهانها. فاخباره كشاف للحشر الجسماني ومفتاح له.
واما البرهان العاشر، المشتمل على ألوف من البراهين التي تضمنها كثير من الآيات مثل ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أطْواراً﴾ المشير الى (قياس تمثيلي). و﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبيد﴾ المشير الى (دليل عدليّ) وغيرهما. فلقد فتح القرآن في أكثر الآيات كُوّاتٍ(1) ناظرة الى الحشر.
اما القياس التمثيلي المشار اليه بالآية الاولى:
فانظر في وجود الانسان فانه ينتقل من طور الى طور.. من النطفة الى العلقة.. ومنها الى المضغة.. ومنها الى العظم واللحم.. ومنه الى الخلق الجديد. ولكلٍّ من تلك الاطوار قوانين مخصوصة، ونظامات معيّنة، وحركات مطّردة يشفّ كلٌّ منها عن قصدٍ وارادةٍ واختيارٍ.. ثم تأمل في بقائه فإن هذا الوجود يجدد لباسه في كل سنة، ومن شأنه التحلل والتركب. اي انقضاض الحجيرات وتعميرها ببدل ما يتحلل من المادة اللطيفة الموزعة على نسبة مناسبة الاعضاء التي يحضرها صانعُها بقانون مخصوص. ثم تأمل في أطوار تلك المادة اللطيفة الحاملة لأرزاق الاجزاء. كيف تنتشر في اقطار البدن انتشاراً تحير فيه العقول. وكيف تنقسم بقانون التقسيم المعين على مقدار حاجات الاعضاء؛ بعد ان تلخصت تلك المادة بنظام ثابت، ودستور معين، وحركة عجيبة من اربع مصفاتات، وانطبخت في اربعة مطابخ بعد اربعة انقلابات عجيبة؛ المأخوذة تلك المادة من القوت المحصل من المواليد المنتشرة في عالم العناصر بدستور منتظم؛
---------------
(2) تفصيل هذه الاوجه في الكلمة الخامسة والعشرين (المعجزات القرآنية).
(1) الكوة: الخرق في الحائط. ج: كواء وكوى وكوات.