اشارات الاعجاز | وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ اِلَيْكَ وَ | 69
(62-75)

انكار هذه الحكم والفوائد التي اجبرتنا البداهةُ على الاقرار بها؛ اذ حينئذ تكون الفائدة لا فائدة.. والحكمة غير حكمة.. والمصلحة عدم مصلحة. وإن هذا الاّ سفسطة.
 واما البرهان الثالث المفسر للثاني: فهو ان الفن يشهد ايضا ان الصانع اختار في كل شئ الطريق الاقصر، والجهة الاقرب، والصورة الأخف والأحسن. فيدل على ان لاعبثية. فيدل على انه جدّي حقيقي. وماهو الا بمجئ السعادة الابدية. والاّ لتنزل هذا الوجود منزلة العدم الصرف. وتحول كل شئ عبثاً محضاً.. سبحانك ماخلَقْتَ هذا عَبَثاً.
 أما البرهان الرابع الموضح للثالث: فهو ان لا اسراف في الفطرة بشهادة الفنون. فان تقاصر ذِهْنُك عن ادراك حِكَم الانسان الاكبر وهو (العالم) فأمعن النظر في العالم الاصغر وهو (الانسان). فان فن منافع الاعضاء قد شرح واثبت: ان في جسد الانسان تقريبا ستمائة عظم كلّ لمنفعة.. وستة آلاف عصب هي مجارٍ للدم كلّ لفائدة.. ومائة واربعة وعشرين ألف مسامة وكوّة للحجيرات التي تعمل في كل منها خمس قوى من الجاذبة والدافعة والممسكة والمصوّرة والمولّدة كل منها لمصلحة. واذا كان العالَمُ الاصغر كذا فكيف يكون الانسان الاكبر انقصَ منه؟ واذا كان الجسد الذي لا اهمية له بالنسبة الى لبّه بتلك الدرجة من عدم الاسراف فكيف يُتصور اهمال جوهر الروح؟ واسرافٌ كل آثاره من المعنويات والآمال والافكار؟ اذ لولا السعادة الابدية لتقلصت كل المعنويات وصارت اسرافاً. فبالله عليك أيمكن في العقل ان يكون لك جوهرة قيمتها الدنيا، فتهتم بصدَفها وغلافها حتى لاتخلي ان يصل الغبار اليه، ثم تأخذ الجوهرة فتكسّرها شذراً مذراً(1) وتمحو آثارها؟ كلا ثم كلا! ماتهتم بالغلاف إلاّ لأجل مافيه.. وايضا اذا افهمتك قوةُ البنية في شخص وصحة أعضائه واستعداده، استمرار بقائه وتكمله؛ أفلا تفهّمك الحقيقةُ

----------------

(1) شذراً مذراً: اى ذهبوا في كل وجه، فالمراد المبالغة في الكسر والتجزئة (ش).

لايوجد صوت