سلفك فانت نائب الكل، ورسول جميع الامم. نعم لايكون إلاّ كذلك!.. اذ الفطرة حاكمة له، والحكمة قاضية به؛ لانه كانت امم العالم الانساني قبل زمان السعادة في غاية التباعد والاختلاف مادة ومعنى، واستعداداً وتربيةً؛ ماكفت لهم التربية الواحدة وما شملت الدعوة المفردة. ثم لما انتبه العالم الانساني بزمان السعادة بعده، وتمايل الى الاتحاد بمداولة الافكار، ومبادلة الطبائع، واختلاط الاقوام، وتحري البعض عن حال البعض حتى تمخض الزمان بكثرة طرق المخابرة والمناقلة؛ فصارت الكرة كمملكة وهي كولاية وهي كبلدة، واتصل الرحم بين اهل الدنيا؛ كَفَت الدعوة الواحدة والنبوة الفريدة للكافة.
واما وجه إشمامها بالمقصد الخامس فهو:
ان (من قبلك) المومية من (من) الى (الى)، ومن (الى) الى الاغناء(2). اي (انتهت الرسالة بقدومك اذ اَغْنَتْ شريعتُك) ترمز بأن شريعته عليه السلام ناسخة بالانتهاء وجامعة بالاغناء.
واعلم! ان الامارة لنظر البلاغة على تشرب هذه الكلمة لهؤلاء اللطائف هي:
ان هذه المقاصد الخمسة كالانهار الجارية تحت هذه الآيات، حتى يفور هذا بكماله في آية.. وينبع ذاك بتمامه في أُخرى.. ويتجلى ذلك بشَرَاشيره(1) في آخرة. فأدنى ترشِّحٍ على السطح يومي بتماس عروق الكلمة بها. وايضا تتسنبل هذه المعاني في آيات مسوقة لها.
﴿وَبِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾
اعلم! ان مآل هذه الآية هوالمقصد الرابع من المقاصد الاربعة المشهورة وهو (مسألة الحشر). ثم انا قد استفدنا من نظم القرآن
---------------
(2) اى: ان (من) يفيد معنى الابتداء، والابتداء لابد له من انتهاء - اى (الى) - والانتهاء يدل على عدم الحاجة او الاغناء (ت:56)
(1) بشراشيره: بأجمعه.