دفنها(2). والتحقيق: ان عجب الذَنَب يكفي ان يكون بذراً ومادةً لتشكله.(3)
وأما الدليل الذي لوح به ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾:
فاعلم! أنّا كثيراً ما نرى الظالم الفاجر الغدّار في غاية التنعم، ويمرّ عمُره في غاية الطيب والراحة. ثم نرى المظلوم الفقير المتدين الحسن الخلق ينقضي عمره في غاية الزحمة(4) والذلة والمظلومية، ثم يجئ الموتُ فيساوي بينهما. وهذه المساواة بلا نهاية تُري ظلماً. والعدالة والحكمة الإلهيتان اللتان شهدت عليهما الكائناتُ منزّهتان عن الظلم؛ فلابد من مجمعٍ آخر ليرى الاول جزاءه والثاني ثوابه فيتجلى العدالة الإلهية. وقس على هاتين الآيتين نظائرهما. هذا..
أما وجه النظم في اجزاء ﴿وبالآخرة هم يوقنون﴾
فاعلم! ان مناط النكت: (الواو)، ثم تقديم (بالآخرة) ثم الالف واللام فيها، ثم التعبير بهذا العنوان، ثم ذكر (هم)، ثم ذكر (يوقنون) بدل (يؤمنون).
واما (الواو) ففيها التخصيص بعد التعميم، للتنصيص على هذا الركن من الايمان، اذ هو أحد القطبين اللذين تدور عليهما الكتب السماوية.
واما تقديم ﴿بالاخرة﴾ ففيه حصر، وفي الحصر تعريض بأن أهل الكتاب بناء على قولهم ﴿لن تمسَّنا النارُ اِلاّ أيّاماً مَعْدُودةً﴾( سورة البقرة:80) ونفيهم اللذائذ الجسمانية، آخرتهم آخرة مجازية اسمية، ماهي بحقيقة الآخرة.
----------------
(2) (ادفنوا ماءكم واشعاركم واظفاركم، لاتلعب بها السحرة) مسند الفردوس 1/102. وانظر الفتح الكبير 2/375. كنـز العمال 17245. جمع الجوامع رقم 885.
(3) عن ابى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله y: كل ابن آدم يأكله التراب الاّ عجب الذنب، منه خُلق ومنه يركّب. رواه مسلم وابو داود وابن ماجه. والعجب: اصل الذنب.
(4) التعب والمشقة والضيق.