كذلك؛ فلا حق لك في النصيحة فلا احتياج الى نصيحتك.. بل انت محتاج الى التعلم.. فما السبيل السويّ إلاّ سبيلنا، فلا تعرض بوجود طريق أصوب.. وان كان ذلك الشخص اللجوج ذا الوجهين يكون كلامه ذا اللسانين؛ يداري الناصح لإلزامه بوجه، ويتحفظ على مسلكه بآخر فيقول: أنا مصلح أي ظاهراً كما تطلب وباطناً كما اعتقد.. ثم من شأنه تأييد وتأكيد دعواه بأن الصلاح من صفتي المستمرة، لا اني كنت صالحا الآن بعد فسادي قبل.. ثم اذا كان ذلك الشخص متمردا ًومتنمراً(1) ومصراً في نشر مذهبه، وترويج مسلكه، وتزييف ناصحه وتعريض أهل الحق بهذه الدرجة، ظهر انه لايجدي له دواء، ولم يبق إلا آخر الدواء، أعني: المعالجة لعدم السراية وما هذه المعالجة الا تنبيه الناس واعلامهم بانه مفسد لا صلاح فيه؛ اذ لا يستعمل عقله ولا يستخدم شعوره حتى يحس بهذا الشئ الظاهر المحسوس.
فاذا تفهمت الحلقات المسردة في هذا المثال تفطنت ما بين الجمل المنصوصة والمرموزة اليها بالقيود في ﴿واذا قيل لهم﴾ الى آخره. فان فيما بينها نظما فطريا بايجاز يحمرّ(2) من تحته الاعجاز.
واما نظم هيئات كل جملة جملة:
فاعلم! ان جملة ﴿واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض﴾ القطعية في ﴿اذا﴾ اشارة الى لزوم النهي عن المنكر ووجوبه..
وبناء المفعول في ﴿قيل﴾ رمز الى ان النهي فرض كفاية على العموم..
وفي لام ﴿لهم﴾ ايماء الى ان النهي لابد ان يكون على وجه النصيحة دون التحكم، والنصيحة على وجه اللطف دون التقريع..
و ﴿لاتفسدوا﴾ فذلكة وخلاصة لصورة قياس استثنائي(3) أي لا تفعلوا هكذا، والاّ نشأ منه الهَرْج والمَرْج، فينقطع خيط الاطاعة،
----------------------
(1) اي غضباً، غير ان ظاهر السياق والمذاق متنمرداً، اي كائناً كالنمرود (ش).
(2) يشعّ ويضئ.
(3) ما يكون عين النتيجة او نقيضها مذكوراً فيه بالفعل (التعريفات).