فيتشوش نظام العدالة، فتنحلّ رابطة الاتفاق، فيتولد منه الفساد، فلا تفعلوا لئلا تفسدوا..
ولفظ ﴿في الأرض﴾ تأييد وتأكيد للنهي وادامة للزجر، اذ نهى الناصح موقت لابد من ادامته في ذهن المنصوح بتوكيل وجدانه ليزجره دائما من تحته. وهو اما بتحريك عرق الشفقة الجنسية، واما بتهييج عرق التنفر من نفرة العموم.. و﴿في الأرض﴾ هو الذي يوقظ العرقين وينعشهما؛ اذ لفظ ﴿في الارض﴾ يناجيهم بان فسادكم هذا يسري الى نوع البشر فأيّ حقد وغيظ لكم على جميع الناس الذين فيهم المعصومون والفقراء والذين لاتعرفونهم، أفلا تتوجعون لهم ولمَ لاتترحمون بهم؟ هب ان ليست لكم تلك الشفقة الجنسية فلا أقل من أن تلاحظوا ان حركتكم هذه تجلب عليكم معنى نفرة العموم.
فان قلت: أيّ غرض لهم بالعموم وكيف ينجر فسادهم الى الكل؟
قيل لك: كما ان من نظر بمرآة البصر السوداء رأى كل شئ اسود قبيحاً. كذلك من احتجبت بصيرتُه بالنفاق وفسد قلبُه بالكفر رأى كل شئ قبيحاً مبغوضاً، يحصل في قلبه عناد وحقد مع كل البشر بل كل الكائنات.. ثم كما ان انكسار سنّ من ضرخ(1) من دولاب من ساعة يتأثر به الكل كلياً أو جزئياً؛ كذلك بنفاق الشخص يتأثر نظام هيئة البشر التي انتظمت بالعدالة والاسلامية والاطاعة. فأسفاً قد تظاهرت سمومهم المتسلسلة حتى انتجت هذه السفالة.
وأما جملة ﴿قالوا انما نحن مصلحون﴾ ففي (قالوا) بدل (لايقبلون النصيحة) الظاهر من السياق اشارة الى انهم يدّعون ويدعون الى مسلكهم.
وفي ﴿انما﴾ خاصيتان:
الاولى: ان مدخوله لابد ان يكون معلوماً حقيقة أو ادعاء. ففيها
---------------------
(1) ضرخ يقرب من معنى دولاب.