اشارات الاعجاز | مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَل | 150
(131-154)

وأما ﴿ذهب﴾ فلأنه جزاء الشرط، لا بد ان يكون لازماً. ولخفاء اللزوم - كما مر - يرمز الى انهم لم يتعهدوها ولم يعرفوا قَدْرَ النعمة فيها فبنفس الاضاءة اُخذوا عن أنفسهم وأنساهم البطر والفرح تعهّدها فأخذها الله عنهم..
وأما اسناد (ذهب) الى ﴿الله﴾ فاشارة الى قطع رجاءين: رجاء التعمير ورجاء الرحمة؛ لأنه يشير الى ان الآفة سماوية لاتقبل التعمير، ويرمز الى انه جزاءٌ لقصور المرء، ولهذا يأخذه الله تعالى. فينقطع المتمسك به عند انقطاع الأسباب وهو أمل الرحمة، اذ لايستعان من الحق على ابطال الحق.
وأما (الباء) فاشارة الى اليأس عن العَود؛ اذ لا راد لما أخذه الله للفرق البيّن بين ذهب به أي استصحبه، وبين اذهبه أي ارسله، وذهب أي انطلق؛ لإمكان العود في الآخِرَين دون الأول.
وأما (النور) ففيه ايماء لطيف الى تذكر حالهم على الصراط.
وأما الاضافة في ﴿هم﴾ المفيدة للاختصاص فاشارة الى شدة تأثرهم؛ اذ مَن انطفأت نارُه فقط مع ان نار الناس تلتهب أشد تألما.
ولله درّ التنزيل ما ألطفه في فنون البلاغة! ألم تر كيف توجهت هيئاتها الى الغرض الكليّ، أعني الدهشة مع اليأس، كالحوض في ملتقى الأودية؟.
ثم امعن النظر في ﴿وتركهم في ظلمات لايبصرون﴾:
أما (الواو) فاشارة الى انهم جمعوا بين الخسارتين؛ سُلبوا ضياءً وأُلبسوا ظلمةً.
أما (تَرَك) بدل (أبقى) أو غيره فاشارة الى انهم صاروا كجسد بلا روح وقشر بلا لبّ. فمن شأنهم ان يُتركوا سدى ويُلقوا ظهريا.
وأما ﴿في﴾ فرمز الى انه انعدم في نظرهم كل شئ ولم يبق الاّ عنوان العدم وهو الظلمة فصارت ظرفاً وقبراً لهم.

لايوجد صوت