اشارات الاعجاز | مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَل | 148
(131-154)

ولما كانت الليلة صماء كان ذو اللسان والأبكم سواء فقال: (بُكم) لإلقامهم الحجر بقطع هذا الرجاء أيضاً.
وثالثاً: يأمل الخلاص برؤية علامة أو نار او نيّرٍ تشير له الى هدف المقصد. ولما كانت الليلة طامية رمداء عبوسة عمياء كان ذو البصر والأعمى واحداً فقال: (عُميٌ) لإِطفاء هذا الأمل أيضاً.
ورابعاً: لايبقى له الاّ ان يجهد في الرجوع، ولما أحاط به الظلمة كان كمن دخل في وحْلٍ باختياره وامتنع عليه الخروج. نعم، كم من أمرٍ تذهب اليه باختيار ثم يُسلَب عنك الاختيار في الرجوع عنه تخلّيه انت ولا يخليك هو، فقال تعالى: ﴿فهم لا يرجعون﴾ لسد هذا الباب عليهم وقطع آخر الحبل الذي يتمسكون به، فسقطوا في ظلمات اليأس والتوحش والسكونة والخوف.
أما الجهة الثالثة، أعني :
نظم قيودات جملة جملة، فانظر الى ﴿مثلهم كمثل الذيِ استوقد ناراً﴾ كيف تتطاير شرارات النكت من قيوداتها.
أما لفظ (المثل) فاشارة الى غرابة حال المنافقين وان قصتهم اعجوبة؛ اذ المَثَل هو الذي يجول على الألسنة ويتناقله الناس لتضمنه لغرابة؛ اذ أخصّ صفاته الغرابة. ثم لاندماج قاعدة أساسية في الأمثال يقال لها: (حكمة العوام) و (فلسفة العموم). فالمراد بالمثل هنا صفتهم الغريبة وقصتهم العجيبة وحالهم الشنيعة. ففي التعبير بالمَثَل مجازاً اشارة الى الغرابة، وفي الاشارة رمز الى ان من شأن صفتهم أن تدور على لسان النفرة والتلعين كضرب المثل.
وأما (الكاف):
 فإن قلت: إن حُذف كان تشبيهاً بليغاً فهو أبلغ؟
قيل لك: الأبلغ في هذا المقام ذكره، اذ التصريح به يوقظ الذهن بان ينظر الى المثال تبعياً فينتقل عن كل نقطة مهمة منه الى نظيرها من المشبه. والا فقد يتوغل فيه قصداً فتفوت منه دقائق التطبيق.

لايوجد صوت