اشارات الاعجاز | اَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَع | 159
(155-169)

كان من حق السامع المتيقظ وجدانُه ان يعلن ويقول: سبحانه ما أعظم قدرةَ مَنْ هذه الكائنات تجلِّي هيبته وهذه المصيبات تجلِّي غضبه. فقال: ﴿ان الله على كل شيء قدير﴾.
وأما نظم هيئات جملة جملة:
فاعلم! ان (أو) في (او كصيب) اشارة الى انقسام حال الممثل الى قسمين، ورمز الى تحقيق المناسبة بين التمثيلين وبينهما وبين الممثل له وايماء الى مسلّمية المشابهة.. وأيضا متضمن لـ(بل) الترقية؛ اذ التمثيل الثاني اشدّ هَوْلاً. وان (كصيب) لعدم مطابقته للمثل يقتضي تقدير لازم، والسكوت عن اظهار المقدر للايجاز، والايجاز في اللفظ لاطناب المعنى باحالته على خيال السامع بالاستمداد من المقام. فبعدم المطابقة كأنه يقول: أو كالذين سافروا في صحراء خالية وليلة مظلمة فاصابتهم مصائب بصيب. وان العدول عن لفظ المطر المأنوس المألوف الى الصيب رمز الى أن قطرات ذلك المطر كمصائب ترمى اليهم بقصد فتصيبهم مع فقد الساتر عليهم.
وان ذكر ﴿من السماء﴾ مع بداهة ان المطر لا يجئ الاّ من جهتها ايماء بالتخصيص الى التعميم وبالتقييد الى الاطلاق نظير التقييد في ﴿ومَا مِنْ دابّةٍ في الأرضِ ولا طائر يطير بجناحيه﴾(سورة الانعام:38) أي مطبق آخذ بآفاق السماء. وما استدل بعض المفسرين بلفظ ﴿من السماء هنا وفي آية﴾ ﴿ويُنَزِّلُ من السماءِ من جبالٍ فيها مِن بَرَدٍ﴾(سورة النور:43) على نزول المطر من جرم السماء حتى تخيل (بعض) وجود بحر تحت السماء، فنظرُ البلاغة لايرى عليه سكةَ الحقيقة. بل المعنى: من جهة السماء. والتقييد لما عرفت. وقد قيل السماء ما علاك، فالسحاب كالهواء سماء.
وتحقيق المقام: هو انك ان نظرت الى القدرة تتساوى الجهاتُ أي يمكن النزول من أية جهة كانت. وان نظرت الى الحكمة الالهية المؤسِّسة للنظام الأحسن في الأشياء المستلزِم لمحافظة الموازنة العمومية المرجِّحة لأقرب الوسائل فالمطر انما هو من تكاثف البخار المائي المنتشر في كرة الهواء التي احد أجزائها العشرة ذلك البخار المائيّ المنتشر في أعماقها.

لايوجد صوت