أما هيئات جملة: ﴿فيه ظلمات﴾ المسوقة للتهويل؛ فتقديم ﴿فيه﴾ اشارة الى ان خيال المصاب المدهوش والسامع المستحضر خياله لتلك الحال يتوهم ان ظلمات الليالي الكثيرة افرغت بتمامها في تلك الليلة. وأما الظرفية مع ان الصيب مظروف فرمز الى ان المتدهش بتلك المصيبة يظن فضاء العالم حوضا قد ملئ من المطر، فما الليل الا مظروف مفتت بين أجزائه.
وأما جمع (الظلمات) فايماء الى تنوعها من ظلمة سواد السحاب وكثافته وانطباقه، ومن تقارب دفعات المطر وتكاثف قطره، ومن تضاعف ظلمة الليل. وأما تنكير ﴿ظلمات﴾ فللاستنكار، ولجهل المخاطب فهو تأكيد﴿ظلمات﴾.
وأما جملة ﴿ورعد وبرق﴾ فاعلم! ان المقصد تصوير حيرتهم ودهشتهم، وان المصاب المتحير يجمع تمام دقته ونظره الى أدنى حادث. فلإمعان النظر يتفطنون لما في الرعد والبرق من الانقلابات العجيبة والتحول الغريب. اذ بينما يرى المصابون ظلمة استولت على الكائنات وابتلعت الموجودات - نظير العدم - فتنقلب حيرتُهم بالغمِّ اليتميّ والسكوت الميتيّ؛ اذ يرون اظهر دلائل الوجود، وهو تكلم العلويات، ثم ظهورها بكشف الحجاب فينقلب نظرهم الى نظر المدهوش المتحير الخائف؛ اذ كما انهم اذا رأوا ظلمات غير محصورة في فضاء غير متناه، لا ضعفَ فيه بجانبٍ يُبقي لهم أملاً، ينظرون نظر اليأس؛ كذلك اذا فاجأهم بغتة انعدام الظلمات بان افرغت من الفضاء، وملئ بدلها نوراً ينقلب يأسهُم المطلق الى رجاء.
اعلم! ان الرعد والبرق آيتان ظاهرتان من جهة العالم الغيبيّ في أيدي الملائكة الموكلين على عالم السحاب لتنظيم قوانينه. ثم ان الحكمة الالهية ربطت الأسباب بالمسَّببَات فاذا تشكل السحاب من بخار الماء المنتشر في الهواء؛ صار قسم حاملاً (للالكتريك) المنفي وقسم حاملاً (للالكتريك) المثبت؛ فحينما يتقاربان يتصادمان دفعة