اشارات الاعجاز | اَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَع | 164
(155-169)

المستحضرة للحال فرمز الى ان السامع في مثل هذا المقام المهيج للحيرة يحضر بخياله زمان الواقعة ومكان الحادثة. ثم في المضارع استمرار تجددي. وفي استمراره ايماء الى تواتر تقتقة السحاب.
وأما ﴿أصابعهم﴾ بدل (أناملهم) فاشارة الى شدة الحيرة باستعمال الأصابع موضع الأنامل.
وأما ﴿في اذانهم﴾ فايماء الى شدة الخوف من صدى الرعد حتى يخيل اليهم انه لو دخل الرعد في شبكة الآذان لطيّر الأرواح من أبواب الأفواه. وفيه رمز لطيف الى انهم لما لم يفتحوا آذانهم لنداء الحق والنصيحة عوقبوا من تلك الجهة بنعرات الرعد، فسدوا هنا ما سدوا هناك، كمن اخرج كلاما شنيعا مِن ِفيهِ يُضْرَب على فمه فيدخُل يمين الندامة في فيه ويضع يسار الخجالة على عينه.
وأما ﴿من الصواعق﴾ فاشارة الى اتحاد الرعد والبرق على اضراره؛ اذ الصاعقة صوت شديد معه نار محرقة تصرع من صادف.
وأما ﴿حذر الموت﴾ فاشارة الى ان البلاء جذّ(1) اللحم الى العظم، وجاز الأحوال الى الحياة، فما يعنيهم الاّ غم الموت وحفظ الحياة.
وأما هيئات جملة ﴿والله محيط بالكافرين﴾
فاعلم! ان (الواو) تقتضي المناسبة، وما المناسبة الا بين هذه وبين التابع لمآل السابقة. فكأن هذه (الواو) تقرأ عليهم: (هم قوم فروا من العمارة ونفروا من الحضارة وعصوا قانون كون الليل سباتا ولم يطيعوا نصيحة الناصح فظنوا النجاة بالخروج الى الصحراء فخابوا وأحاط بهم بلاء الله).
وأما لفظ ﴿الله﴾ فرمز الى قطع آخر رجائهم؛ اذ المصاب انما يلتجئ ويتسلى اولاً وآخراً الى رحمة الله، فحين استحقوا غضب الله تعالى انطفأ ذلك الرجاء.
وأما لفظ ﴿محيط﴾ فايماء الى ان هذه المصائب المحيطة آثار غضبه تعالى، فكما ان السماء والسحاب والصيّب والليل تهجُم عليهم من الجهات الست؛ كذلك غضبه تعالى وبلياته محيطة بهم.. وأيضاً علمه تعالى وقدرته محيطان بكل الكائنات، وأمره شامل لكل الذرات. فكأن ﴿محيط﴾ يتلو عليهم: لاتنفذون من أقطار السموات والأرض، ﴿فأينما تولوا فثمَّ وجه الله﴾( سورة البقرة:115).
------------

(1) جذّه وجزّّه: قطعه.

لايوجد صوت