فيتولد البرق. ثم بالهجوم والانقلاع دفعة وامتلاء موضعه بآخر لعدم الخلو، يهتز وتتموج الطبقات فيتولد صدى الرعد. ولا تجري هذه الحالات الا تحت نظام وقانون يتمثلهما مَلَك الرعد والبرق. وأما ظرفية الصيّب لهما مع ان الظرف هو السحاب فلأن المدهوش والسامع المتدهش بدهشته يرى الصيب محيطا بكل شئ لإحاطته بنفسه. وأما إفراد الرعد والبرق مع جمع الظلمات، فاشارة الى ان منشأ الدهشة تخيل المصاب تكلمَ السماء وتهديدَها بالإرعاد، وكشفَ الحجاب بالابراق، وهما معنى مصدريّ للكلام واليد البيضاء. وأيضا كل منهما نوع واحد وان تعددت أفراده.
وأما تنوين ﴿ورعدٌ وبرقٌ﴾ فبدل من الصفة، أي: رعد قاصف وبرق خاطف، ودالة على عدم الالفة بهما بسبب التفطن بالدقة لما فيهما من العجائب.. وأيضاً فيها ايماء الى انهم لايعرفون ذلك الرعد والبرق لسد السمع وغض البصر.
وأما هيئات جملة ﴿يجعلون أصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت﴾
فاعلم! انها جواب لسؤال مقدر واستيناف حسن؛ اذ السامع لما توجه الى هذه القصة الحسية التمثيلية حصل له ميلان شديد لكشف حال المصيبة. ثم بعد ان كمّل التصوير التصويرَ وقضى منه الوطر انثنى مجرى الميلان الى كشف حال المصاب. فكأنه يقول السائل: كيف حال المصاب حينئذ وبم يتشبث للنجاة؟ فأجاب القرآن بقوله: ﴿يجعلون اصابعهم﴾.. الخ. أي لامناص لهم، انما هم كالغرقى يتمسكون بغير متمسك فيريدون التحفظ من مجانيق(1) السماويين بسد الأسماع. وكونه سبباً محالٌ، فلا سبب.
وأما لفظ ﴿يجعلون﴾ بدل (يدخلون) فايماء الى انهم تحروا الأسباب فما صادفوا الا ماسببيته بجعلهم وظنهم فقط.. وصورة المضارع
----------------
(1) جمع منجنيق: آلة حربية ترمى بها القذائف.