اشارات الاعجاز | وَإنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى | 203
(192-221)

الخِلقة وفنون الكائنات مع انه مناف لمسلك التعليم والارشاد.
والثالث: انهم يقولون: ان بعض ظواهر القرآن الكريم اميل الى خلاف الدليل العقلي فيحتمل خلاف الواقع وهو مخالف لصدقه.
الجواب - وبالله التوفيق - ايها المشككون اعلموا!. ان ما تتصورونه سبباً للنقص انما هو شواهد صدق على سر اعجاز القرآن الكريم.
 أما الجواب عن الريب الأول وهو وجود المتشابهات والمشكلات:
فاعلم! ان ارشاد القرآن الكريم لكافة الناس، والجمهور الأكثر منهم عوام، والأقل تابع للأكثر في نظر الارشاد. والخطاب المتوجه نحو العوام يستفيد منه الخواص ويأخذون حصتهم منه.. ولو عكس لبقي العوام محرومين، مع ان جمهور العوام لا يجردون اذهانهم عن المألوفات والمتخيلات، فلا يقتدرون على درك الحقائق المجردة والمعقولات الصرفة الاّ بمنظار متخيلاتهم وتصويرها بصورة مألوفاتهم. لكن بشرط ان لايقف نظرُهم على نفس الصورة حتى يلزم المحال والجسمية او الجهة بل يمر نظرهم الى الحقائق.
مثلا: ان الجمهور انما يتصورون حقيقة التصرف الالهي في الكائنات بصورة تصرف السلطان الذي استوى على سرير سلطنته. ولهذا اختار الكناية في ﴿الرحمن على العرش استوى﴾(سورة طه:5) واذا كانت حسيات الجمهور في هذا المركز فالذي يقتضيه منهجُ البلاغة ويستلزمه طريقُ الارشاد رعايةَ افهامهم واحترامَ حسياتهم، ومماشاة عقولهم ومراعاة أفكارهم. كمن يتكلم مع صبي فهو يتصبى في كلامه ليفهمه ويستأنس به. فالأساليب القرآنية في أمثال هذه المنازل المرعي فيها الجمهور تسمى بـ(التنزلات الإِلهية الى عقول البشر)، فهذا التنزل لتأنيس اذهانهم. فلهذا وضع صورَ المتشابهات منظاراً على نظر الجمهور. ألا ترى كيف أكثر البلغاء من الاستعارات لتصور المعاني الدقيقة، أو لتصوير المعاني المتفرقة! فما هذه المتشابهات الا من أقسام

لايوجد صوت