المبادئ.. وان الذكاء ولو كان خارقاً لا يقتدر على ايجاد فنٍ وتكميله دفعةً بل كالصبيّ يتدرج.
واذا استحضرت هذه المسائل وجعلتها نصب عينيك فتجرَّد وتعرَّ من الخيالات الزمانية والأوهام المحيطية، ثم غُصْ من ساحل هذا العصر في بحر الزمان، ماراً تحته الى ان تخرج من جزيرة عصر السعادة ناظراً على جزيرة العرب!.. ثم ارفع رأسك والبس ما خاط لك ذلك الزمان من الأفكار، ثم انظر في تلك الصحراء الوسيعة!. فأول ما يتجلى لعينك: انك ترى انسانا وحيدا لا معين له ولا سلطنة يبارز الدنيا برأسه.. ويهجم على العموم.. وحمل على كاهله حقيقة اجلّ من كرة الارض.. وأخذ بيده شريعة هي كافلة لسعادة الناس كافة.. وتلك الشريعة كأنها زبدة وخلاصة من جميع العلوم الالهية والفنون الحقيقية.. وتلك الشريعة ذات حياة لا كاللباس بل كالجلد، تتوسع بنموّ استعداد البشر وتثمر سعادة الدارين، وتنظم أحوال نوع الانسان كأهل مجلس واحد. فإن سُئلتْ قوانينُها من اين الى اين؟ لقالت بلسان اعجازها: نجئ من الكلام الأزليّ ونرافق فكر البشر الى الأبد، فبعد قطع هذه الدنيا نفارق صورةً من جهة التكليف ولكن نرافق دائما بمعنوياتنا واسرارنا فنغذي روحهم ونصير دليلهم.. فيا هذا أفلا يتلو عليك ما شاهدت الأمرَ التعجيزيَّ في ﴿فأتوا بسورة من مثله.. فان لم تفعلوا ولن تفعلوا﴾..الخ.
ثم اعلم ان آية ﴿وان كنتم في ريب مما نزلنا﴾...الخ: تشير الى ان ناساً - بسبب الغفلة عن مقصود الشارع في ارشاد الجمهور وجهلهم بلزوم كون الارشاد بنسبة استعداد الأفكار - وقعوا في شكوك وريوب منبعها ثلاثة امور:
احدها: انهم يقولون: وجود المتشابهات والمشكلات في القرآن الكريم منافٍ لإعجازه المؤسس على البلاغة المبنية على ظهور البيان ووضوحِ الافادة.
والثاني: انهم يقولون: ان القرآن الكريم اطلق وأبهمَ في حقائق