أمعن النظر في حقائق القرآن الكريم عجبا أيمكن تكمّل العالم المدني في دائرة الاسلامية؟ فأجاب بنفسه: نعم! بل المحققون الآن مستفيدون بجهة من تلك الدائرة. ثم قال الناقل: لما طلعت حقائق القرآن الكريم صارت كالنار الجوّالة وابتعلت سائر الاديان، فحُقَّ له؛ اذ لايحصل شئ من سفسطيات النصارى وخرافات اليهود. فصدّق ذلك الفيلسوف مآل ﴿فأتوا بسورة من مثله.. فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار﴾.
فان قلت: ان القرآن الكريم وكذا مفسِّره - أعني الحديث - انما اخذ من كل فن فذلكة، واحاطةَ فذلكاتٍ كثيرة ممكنة لشخص.
قيل لك: ان الفذلكة بحسن الاصابة في موقعها المناسب، واستعمالها في أرض منبتة مع أمور مرموزة غير مسموعة - قد اشرنا اليها في النكتة الثانية - تشفّ كالزجاجة عن ملكة تامة في ذلك الفن واطلاع تام في ذلك العلم فتكون الفذلكة في حكم العلم ولا يمكن لشخص أمثال هذه.
اعلم! ان نتيجة هذه المحاكمات هي ان تستحضر اوّلا ما سيأتي من القواعد وهي:
ان شخصاً لايتخصص في فنون كثيرة.. وان كلاما واحداً يتفاوت من شخصين، يكون بالنظر الى واحد ذهباً والى الآخر فحماً.. وان الفنون نتيجة تلاحق الأفكار وتتكمل بمرور الزمان.. وان كثيراً من النظريات في الماضي صارت بديهية الآن.. وان قياس الماضي على هذا الزمان قياس مثبط مع الفارق.. وان أهل الصحراء لاتستر بساطتهم وصفوتهم الحيل والدسائس التي تختفي تحت حجاب المدنية.. وان كثيراً من العلوم انما يتحصل بتلقين العادات والوقوعات وبتدريس الأحوال لطبيعة البشر باعداد الزمان والمحيط.. وان نور نظر البشر لاينفذ في المستقبل ولا يرى الكيفيات المخصوصة.. وانه كما ان لحياة البشر عمراً طبيعياً ينقطع؛ كذلك لقانونه عمر طبيعيّ ينتهي البتة.. وان للمحيط الزماني والمكاني تأثيراً عظيماً في أحوال النفوس.. وان كثيراً من الخوارق الماضية تصير عادية بتكمل