اشارات الاعجاز | وَإنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى | 198
(192-221)

الاجتماعية. والاّ، أجابته الفطرة بعدم الموفَّقية جوابَ إسكات..
وأيضاً مَن تحرك بمسلك في الهيئة الاجتماعية يلزمه ان لا يخالف حركة الجريان العموميّ. والاّ، طيّره ذلك الدولاب عن ظهره فيسقط في يده. فاذاً من ساعده التوفيق في ذلك الجريان كمحمّد عليه السلام يثبت انه متمسك بالحق.
فاذا تفهمت هذا، تأمل في حقائق الشريعة مع تلك المصادمات العظيمة والانقلابات العجيبة، وفي هذه الأعصار المديدة تَرَها قد حافظت على موازنة قوانين الفطرة وروابط الاجتماعيات اللاتي بدقتها لا تتراءى للعقول مع كمال المناسبة والمصافاة معها. فكلما امتد الزمان تظاهر الاتصال بينها. ويتظاهر من هذه الحالة؛ ان الاسلامية هي الدين الفطريّ لنوع البشر وانها حق، لهذا لاينقطع ان رقّ. ألا ترى ان الترياق الشافي للسموم القاتلة في الهيئة الاجتماعية انما هو أمثال (حرمة الربا ووجوب الزكاة) اللتين هما مسألتان في ألوف مسائل تلك الشريعة.
فاذا عرفت هذه النكت الأربع مع هذه النقط الثلاث، اعلم! ان محمداً الهاشميّ عليه الصلاة والسلام مع انه امّيّ لم يقرأ ولم يكتب، ومع عدم قوته الظاهرية وعدم حاكميته له أو لسلفه، وعدم ميل تحكم وسلطنة، قد تشبث بقلبه بوثوق واطمئنان في موقع في غاية الخطر وفي مقام مهم، بأمر عظيم فغلب على الأفكار، وتحبب الى الأرواح، وتسلط على الطبائع، وقلع من أعماق قلوبهم العادات والأخلاق الوحشية المألوفة الراسخة المستمرة الكثيرة. ثم غرس في موضعها في غاية الإِحكام والقوة - كأنها اختلطت بلحمهم ودمهم - أخلاقا عالية وعادات حسنة، وقد بدل قساوة قلوب قوم خامدين في زوايا الوحشة بحسيات رقيقة وأظهر جوهر انسانيتهم. ثم أخرجهم من زاوية الوحشة وَرقي بهم الى اوج المَدَنية وصيّرهم معلِّمي عالَمهم، وأسَّس لهم دولةً ابتلعت الدول كعصا موسى فلما ظهرت صارت كالشعلة الجوّالة والنور النّوار فاحرقت روابط الظلم والفساد، وجعل سرير تلك الدولة الدفعية في زمان قليل الشرقَ والغربَ. أفلا تدل هذه الحالة

لايوجد صوت