اشارات الاعجاز | وَإنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى | 197
(192-221)

شعاع الحقيقة ومن الخوارق للعادة. بينما ترى شخصا في قساوة قلبه يقبر بنته حيةً ولا يتألم ولا يتأثر اذ تراه بعد يوم - وقد اسلم - يترحّم على نحو النمل، ويتألم بألم حيوان. فبالله عليك أينطبق هذا الانقلاب الحسي على قانون؟.
فاذا عرفت هذه النكت تأمل في نقطة أخرى وهي:
ان تاريخ العالم يشهد ان الداهيَ الفريدَ انما هو الذي اقتدر على انعاش استعداد عموميّ، وايقاظ خصلة عمومية، والتسبب لانكشاف حسّ عموميّ؛ اذ مَن لم يوقظ هكذا حسّا نائما يكون سعيُه هباء موقتا ولو كان جليلا في نفسه.. وأيضا ان التاريخ يرينا ان أعظم الناس هو الموفَّق لايقاظ واحد أو اثنين أو ثلاث من هذه الحسِّيات العمومية: كحس الحمية الملّية، وحس الاخوة، وحس المحبة، وحس الحرية الخ. أفلا يكون اذاً ايقاظ الوف من الحسِّيات - المستورة العالية، وجعلها فوّارة منكشفة في قوم بَدَوييّن منتشرين في جزيرة العرب تلك الصحراء الوسيعة - من الخوارق؟.. نعم(1).! هو من ضياء شمس الحقيقة.
فيا هذا! من لم يُدخل في عقله هذه النقطة نُدْخِل جزيرةَ العرب في عينه. فهذه جزيرة بعد ثلاثة عشر عصراً وبعد ترقي البشر في مدارج التمدن!.. فانتخِب ايها المعاند من أكمل الفلاسفة مائة، فليسعوا مائة سنة فان فعلوا جزءاً من مائة جزء مما فعله محمّد العربي عليه الصلاة والسلام بالنسبة الى زمانه(1)... فان لم تفعل - ولن تفعل - فاتّق عاقبة العناد! نعم، هذه الحالة خارقة للعادة وان هي الاّ معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
واعلم أيضاً: ان من اراد التوفيق يلزم عليه ان يكون له مصافاة مع عادات الله، ومعارَفَة مع قوانين الفطرة، ومناسبة مع روابط الهيئة

------------

(1) لعله بلى (ش)
(1) وجواب إن محذوف، اى فاطلب ماتشاء (ش)

لايوجد صوت