اشارات الاعجاز | وَبَشِّر الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ | 227
(222-234)

والمأكل الرزق ولأنه تفكه يكون كمال لذته فيما حصل به الأُلفة والانسية، ولأنه تفكه يكون كمال لذته في التجدد من جهة؛ اذ بحكم المألوفية يُعرف درجة علوّ النعمة وتفوقها على نظيرها. وكذا من مكملات اللذة ان يُعرف انه جزاء عمله.. ومنها ان يكون منبعه ومخزنه حاضراً نصب العين لتحصل لذة الاطمئنان..
وأما المنكح، فاعلم! ان من اشدّ حاجات الانسان وجود قلب مقابلا لقلبه لمداولة المحبة ومبادلة العشق والمؤانسة والتشارك في اللذة، بل التعاون في أمثال الحيرة والتفكر. ألا ترى ان من رأى ما يتحير فيه أو يتفكر في أمر عجيب يدعو ولو ذهنا من يعينه في تحمل الحيرة. ثم انّ ألطف القلوب وأشفقها واحرّها قلب القسم الثاني. ثم ان متمم الامتزاج الروحيّ ومكمّل الاستيناس القلبيّ، ومصفى الاختلاط الصوريّ كون القسم الثاني مبرأة ومطهرة من الأخلاق السيئة والعوارض المنفرة.
 فإن قلت: ان الأكل لبقاء الشخص؛ اذ به يحصل تعمير ما يتحلل، وان النكاح لبقاء النوع مع ان الأشخاص في الآخرة مؤبّدون لا يقع فيهم التحويل والانحلال وكذا لاتناسل في الآخرة؟
قيل لك: ان فوائد الأكل والنكاح ليست منحصرة في البقاء والتناسل بل فيهما لذة عظيمة في هذا العالم الألميّ. وكيف لايكون فيهما في عالم السعادة واللذة لذات عالية منزهة؟
 فان قلت: ان اللذة هنا دفع الألم؟
قيل لك: ان دفع الالم سبب من أسباب اللذة.. وأيضاً قياس العالم الأبديّ على هذا العالم قياس مع الفارق، بل ان النسبة بين حديقة (خُورْخُورْ)(1) هذه وتلك الجنة العالية هي النسبة بين لذائذ الآخرة ونظائرها في هذا العالم. فكما تفوق تلك الجنة على الحديقة بدرجات غير محصورة؛ كذلك هذه.. والى هذا التفاوت العظيم اشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله: (ليس في الجنة الا اسماءها)(2) أي ثمرات الدنيا.

--------------

(1) حديقة خورخور: مكان يقع تحت قلعة مدينة (وان) وفيها مدرسة المؤلف.
(2) (ليس في الدنيا ممافي الجنة الا الاسماء) او الفاظ مقاربة والمعنى واحد، انظر تفسير ابن كثير 1/63، تفسير القرطبى 1/240، الطبرى 1/135 فتاوى ابن تيمية 3/28، المطالب العالية لابن حجر برقم 4692، فتح القدير للشوكانى 1/55.

لايوجد صوت