اشارات الاعجاز | وَبَشِّر الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ | 228
(222-234)

أما الخلود ودوام اللذة، فاعلم! ان اللذة انما تكون لذة حقيقية ِان لم ينغّصها الزوالُ؛ اذ كما ان دفعَ الالم لذةٌ أو سببٌ لها، كذلك زوال اللذة ألم بل تصوّرُ زوالِ اللذةِ ألمٌ أيضاً. حتى ان مجموع اشعار العشاق المجازيين انما هي انين ونياح من هذا الألم. وان ديوان كل عاشق غير حقيقي انما هو بكاء وعويل من هذا الألم الناشئ من تصور زوال المحبوب.. نعم، ان كثيراً من اللذائذ الموقّتة اذا زالت اثمرت آلاما مستمرة كلما تذكرها(3) يفور مِن فيه: (ايواه!) واأسفا! المترجمَيْنِ عن هذا الألم الروحانيّ. وان كثيراً من الآلام اذا انقضت اولدت لذّات مستمرة كلما تذكرها الشخص وهو قد نجا يتكلم بـ(الحمد لله) الملوِّح لنعمة معنوية.
أجل! ان الانسان مخلوق للأبد فانما تحصل له اللذة الحقيقية في الأمور الأبدية كالمعرفة الالهية والمحبة والكمال والعلم وأمثالها.
والحاصل: ان اللذة والنعمة انما تكونان لذة ونعمة ان كانتا خالدتين.
واذا رأيت هذا السلك فانظم فيه جمل الآية.
أما جملة ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ فاعلم! انه تعالى لما كلف الناس، وأثبت النبوّة، وكلف النبيّ بالتبليغ أمره بالتبشير تأميناً لامتثال التكليف الذي فيه مشقة وترك للّذائذ الدنيوية. فكما انه مأمور بالانذار؛ كذلك مأمور بالتبشير برضاء الله تعالى وتلطيفه وقربيته وبالسعادة الأبدية.

-----------------

(3) تذكرها الانسان.

لايوجد صوت