اشارات الاعجاز | كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ اَمْوَاتاً فَ | 249
(249-257)

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ اَمْوَاتاً فَاَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ اِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 28

اعلم ان لهذه الآية أيضاً الوجوه الثلاثة النظمية:
أما نظم مآلها بسابقها، فاعلم! ان الله تعالى لما دعا الناس إلى عبادته والاعتقاد به، وذكر أصول العقائد والأحكام مشيراً إلى دلائلها إجمالاً؛ عاد في هذه الآية مع لواحقها الثلاث إلى سرد الدلائل عليها بتعداد النعم المتضمنة للدلائل. ثم إن أعظم النعم (الحياة) المشار اليها بهذه الآية، ثم (البقاء) أي كمال الحياة بتنظيم السموات والأرض المشار اليه بالآية الثانية، ثم تفضيل البشر وتكريمه على الكائنات بالآية الثالثة، ثم تعليمه العلم بالرابعة.. فهذه النعم نظراً الى (صورة النعمة) دليل العناية والغاية، وكذا دليل العبادة؛ اذ شكر المنعم واجب وكفران النعم حرام في العقول. ونظراً الى (الحقيقة) دليل اختراعيّ على وجود المبدأ والمعاد.. وكذا ان هذه الآية كما تنظر الى سابقتها كذلك تنظر إلى الأسبق من بحث الكافرين والمنافقين فأشار بهذا الاستفهام الانكاريّ التعجبيّ إلى تقريعهم وتشنيعهم وتهديدهم وترهيبهم.
وأما نظم الجمل، فاعلم! ان هنا إلتفاتاً من الغيبة الى الخطاب؛ اذ حكى عنهم اوّلاً ثم خاطبهم، لنكتة معلومة في البلاغة وهي:
انه اذا ذكر مساوئ شخص شيئاً فشيئاً تزيد الحدّة عليه، الى ان يلجئ المتكلم - لو كان انساناً - الى المشافهة والمخاطبة معه.. وكذا اذا ذكرت محاسن أحد درجة درجة يتقوى ميل المكالمة معه الى أن يلجئ إلى التوجه اليه والخطاب معه. فلنزول القرآن على أسلوب العرب التفت فقال: ﴿كيف تكفرون﴾ مخاطباً لهم.
ثم اعلم! انه لما كان المقصد هنا سرد البراهين على الأصول

لايوجد صوت