اشارات الاعجاز | كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ اَمْوَاتاً فَ | 252
(249-257)

مباشرتها لا تنافي عزة القدرة، مع ان وضع الأسباب الظاهرية - كما مر - لمحافظة عزة القدرة في مباشرة الأمور الخسيسة في ظاهر النظر.
وأما وجه كونها أظهر الدلائل على المبدأ والمعاد فقد سمعت آنفا، فلنلخص لك وهو:
ان من نظر في هذه الحياة وتدرج بنظره الى الأطوار المترتبة إلى أبسط صور الجسم يرى أجزاء منتثرة في عالم الذرات. ثم يبصرها قد تلبس في عالم العناصر صوراً أخرى. ثم يصادفها في عالم المواليد في وضعية أخرى.. ثم يلاقيها في نطفة ثم في علقة ثم في مضغة. ثم يراها دفعة بانقلاب عجيب قد لبست صورة ويرى في هذه الانقلابات حركات منتظمة على دساتير معينة يتراءى منها: ان كل ذرة كانت معينة في أول الأطوار كأنها موظفة للذهاب إلى الموضع المناسب من جسد الحي، فيتفطن الذهن انها بقصد تُساق وبحكمة تُرسل، وكانت الحياة الثانية في نظره أهون وأسهل وأمكن بدرجات فيقنع بها قلبه بالطريق الأَولى. فهذه الجملة كالدليل للاحقتها والكل معا برهان على الانكار المستفاد من (كيف).
المسألة الثالثة: في ﴿ثم يميتكم﴾.
اعلم! ان آية ﴿خلق الموت والحياة﴾(سورة الملك:2) تدل على ان الموت ليس إعداماً وعدماً صرفاً، بل تصرف، وتبديل موضع، واطلاق للروح من المحبس. وكذا ان ما وجد في نوع البشر الى الآن من امارات غير معدودة، ونَجَمَ من اشارات غير محدودة؛ القت الى الأذهان قناعة وحدسا بأن الإِنسان بعد الموت يبقى بجهة، وان الباقي منه هو الروح. فوجود هذه الخاصة الذاتية في فرد يكون دليلا على وجودها في تمام النوع للذاتية. ومن هنا تكون الموجبة الشخصية مستلزمة للموجبة الكلية، فحينئذ يكون الموت معجزة القدرة كالحياة. لا انه عدمٌ علتُه عدمُ شرائط الحياة.

لايوجد صوت