اشارات الاعجاز | كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ اَمْوَاتاً فَ | 251
(249-257)

وأما وجه كونها أعظم النعم فهو:
ان الجسم الذي لاحياة فيه ليس له مناسبة إلاّ مع مكانه المشخص وما به يختلط فيكون يتيماً منفرداً ولو كان جبلا. لكن اذا رأيت جسما ولو صغيراً كالنحل مثلا وقع فيه الحياة حصل له دفعةً مناسباتٌ مع عموم الكائنات وتجارة مع الأنواع حتى يحقّ له أن يقول: (مكاني الكائنات وهي كملكي). اذ اذا انتقل إلى الحياة الحيوانية تراه يجول بحواسه ويتصرّف بها في أطراف الكائنات فيحصل بينه وبين أنواعها اختصاص ومبادلة ومحبة.. ولا سيما اذا ترفع إلى طبقة الانسانية تراه بنور العقل يجول في عوالم. فكما يتصرّف في العالم الجسماني يجول في العالم الروحاني، ويطوف في العالم المثالي. وكما يسافر هو الى تلك العوالم؛ كذلك تسافر هي اليه بالتمثل في مرآة روحه حتى يستحق أن يقول: (ان العالم مخلوق لأجلي بفضل الله تعالى).. فتتنوع حياته وتنبسط الى الحياة المادية والمعنوية والجسمانية والروحانية التي يشتمل كل منها على طبقات. فحق أن يقال: كما ان الضياء سبب لظهور الألوان والأجسام؛ كذا ان الحياة كشافة لكافة الموجودات وسبب لظهورها، وان الحياة هي التي تصيّر ذرّة كعالم. وان الحياة هي الوسيلة لإِحسان مجموع العالم لذي حياة برأسه مع عدم المزاحمة والانقسام إلاّ في أقل قليل بين البشر.
وأما وجه كونها أظهر الدلائل على الصانع وكذا على الحشر:
فاعلم! ان انتقال بعض ذرات جامدة وانقلابها دفعة الى هيئة ووضعية تخالف الوضعية الأولى - بلا توسط سبب معقول - برهان أيّ برهان. حتى ان الحياة لكونها أشرف الحقائق وأنزهها، لا خسّة فيها بوجهٍ ولا رَيْن عليها، لا في جهة الملك ولا في جهة الملكوت، فكلا وجهيها لطيفان، حتى ان حياة أخس حيوان جزئي أيضاً عالية. ولهذا السر(1) لم يتوسط بينها وبين يد القدرة سبب ظاهريّ؛ اذ

----------------

(1) تدقيق حسن ( بخط المؤلف على نسخة مطبوعة).

لايوجد صوت